أطفال المكبات تائهين بين الفقر والجريمة والشارع الرابح الأوحد

شام تايمز – الحسكة – أحلام الحسين

أطفال في عمر الزهور يتسلقون على حاويات القمامة وبقايا الطعام في الأحياء، ويغوصون في أكداس النفايات ضمن أطراف المدن، بحثاً عما يجود به الحظ لهم من مواد غذائية أو أي مواد أخرى يمكن أن يعاد تصنيعها من البلاستيك والنحاس وغيرها.

يبدأون يومهم في رحلة البحث الشاقة والمضنية منذ ولادة الفجر الأولى وحتى الساعات الأخيرة لغياب الشمس، ولكلٍ منهم حكايته التي أجبرته على امتهان هذا العمل في أوقات مخصصة للدوام في المدارس، وأجبرتهم هذه الحكايات على العمل بالنبش في مكبات القمامة في عدد من أحياء وسط مدينة الحسكة وفي مختلف الأحياء المتطرفة والقرى البعيدة والقريبة.

انتشار هذه الظاهرة كانتشار النار في الهشيم يهيئ البيئة الملائمة لانتشار شتى أنواع الجريمة والعنف والاعتداءات النفسية والجسدية والانحلال الخلقي والأخلاقي الذي مهدت له مسبقاً سنوات الحرب ونتائجها الاقتصادية والأمنية وحتى التعليمية، خاصة أن ميليشيات متعددة و فكر وممارسات توالت على المحافظة منذ مطلع الحرب، كانت دخيلة على مجتمعنا ومع ذلك تأثر بها عدد لا يستهان به من الأطفال والأسر الفقيرة في محافظة الحسكة.

تقول المواطنة “نورا” وهي من أهالي الحسكة: هذه الظاهرة تسيء للمحافظة وتشوه صورة المجتمع السوري كونها غير حضارية من جهة ولأنها تجر الأطفال للهاوية، فالشارع بات الحضن الوحيد لتربيتهم، والناس تدرك كيف تكون تربية الشوارع، وانتشار هذه الظاهرة يهدد مستقبل أجيال من الأفراد وبالتالي الأسر التي ستتكون في سنوات لاحقة.

بينما يقول “محمد”: هذه الظاهرة دخيلة على مجتمعنا كونه مجتمع نامٍ يعتمد على الزراعة، بينما هي ظاهرة وجدت منذ القدم في الدول الصناعية وخاصة في المناطق التي تتجمع فيها المنشآت الصناعية، واليوم تنتشر في الحسكة لأنها تغذت في ظروف الحرب وتبعاتها من فقر وقلة حيلة وتردي الأوضاع الاقتصادية في العموم، لكن نحن نتأمل من المنظمات الانسانية المعنية بالعمل في مجال الطفولة أن تنقذ هذه الفئة من اليافعين والأطفال قبل فوات الأوان.

أما “ديالى” فتقول :إن المحافظة عانت ما عانته من ويلات الحرب التي هيأت البيئة المناسبة لتفشي الأمراض العضوية والأوبئة والفيروسات التي نقلتها الفصائل المسلحة من كل دول العالم لتكون سورية هي البيئة الحاضنة لتلك النوائب ويدفع المواطنين الثمن من خلال تفشي تلك الأوبئة في أحشائهم، وبالتأكيد القمامة هي سبب مهم لنقل تلك الأمراض أيضاً، ففيها من مخلفات المشافي ومحال الصيانة الصناعية وكذلك الأمر بالنسبة للمواد الغذائية التي تتسبب بأمراض متعددة مثل الفطر الأسود، ولا يمكن إغفال انعدام النظافة وبالتالي ما تسببه عملية البحث بين الأكياس والأكداس في المكبات من جروح وسيلان دماء لتنقل بدورها أمراض عديدة مثل التهابات الكبد والأمراض الفيروسية و المزمنة الأخرى.

وتقول الطفلة “عنود” 8 أعوام، وهي تتعلق بحاوية في إحدى الأحياء السكنية وسط مدينة الحسكة أنها تعمل وإخوتها منذ ما يقارب سبعة أعوام في مهنة جمع الخبز اليابس والبلاستيك والخضار، ليتمكنوا من بيعه لأحد التجار في حي قريب يقع خارج سيطرة الحكومة السورية.

أما “محمد” 9 أعوام يرافقه أخيه الذان يعملان بصفة وسيط بين الباحثين في الأكوام وبين التاجر قالا: نحن نعيل أسرتنا إلى جانب والدنا الذي يعمل بمهنة عتال في “سوق الهال” لكون وارده لا يكفي لتأمين مستلزمات المدارس لواحد منا، بينما يتغيبون عن مدارسهم الإلزامية لتأمين قوت يومهم رغم أنهم قد لا يجنون أكثر من 400 ليرة سورية في اليوم الواحد لكل فرد.

أما “علي” 19 عاماً فيقول: إنه المعيل الوحيد لأسرة تتألف من أم وأخت وزوجة وابنه، ويعمل في النفايات منذ كان في عمر 5 سنوات، بحثاً عن ما يسد فقرهم، واردف “علي”: أعلم أن النفايات تجلب العديد من الأمراض لكن مستعد أن أمرض ولا يجوع أهل بيتي”.

وخلال حديثه لـ “شام تايمز” أكد “إبراهيم خلف” مدير الشؤون الاجتماعية والعمل بالحسكة: إن المديرية بالتعاون مع المنظمات الدولية العاملة في محافظة الحسكة تجري مسوحاً دورية لدراسة إحصائيات للأسر الفقيرة والمتعففة، وتعمل بالتنسيق مع المحافظة على توزيع معونات غذائية وصحية دورية، بالإضافة لنشاطات التوعية المستمرة، والعمل على مكافحة هذه الظاهرة خاصة قبل الحرب، لكن خلال سنوات الحرب زاد انتشار هذه الظاهرة نتيجة خروج العديد من المناطق عن السيطرة، والعمل مستمر على ضوء الإمكانات المتاحة في ظروف فرضها الأمر الواقع.

شاهد أيضاً

وزير الصناعة يبحث مع السفير الإماراتي تعزيز التعاون

شام تايمز – متابعة بحث وزير الصناعة الدكتور “عبد القادر جوخدار” مع سفير دولة الإمارات …