ما سرّ انزعاج واشنطن من الانتخابات في سورية؟

شام تايمز – معتصم عيسى

لغة الغرب السياسية مازالت تُراوح مكانها، وكأن أكثر من عشر سنوات من الحرب على سورية لم تكن، أو انها مجرد ساعات صفر أراد الغرب لها أن تكون ديباجةً تصلح للاستخدام كُلما اقتضت الحاجة بغض النظر عن تغيّر الظروف والمعطيات.

عقدٌ من الزمن لم يستطع الغرب خلاله أن يتجاوز عقده تجاه سورية والتي تحمل في مضامينها شبكة معقدة من المصالح والمطامع والأحلام وكأن السياسة تُبنى من طرف واحد أو على ما يأمله طرف دون آخر.

لم يتوقف الغرب منذ سنوات عن الطعن تارة، والتشكيك تارة أُخرى بشرعية الحياة الدستورية في سورية، مشيراً مرةً الى فقدان ما يُسميه (بالنظام) لشرعيته وقاعدته الشعبية ومُلمّحاً مرة أخرى الى أن له وجهة نظر تتعلق بمستقبل سورية وهنا فصل الخطاب، فما الذي يقصده الغرب برؤيته الخاصة بشأن مستقبل سورية؟.

الغرب يرى بعد سنوات من دعمه لتنظيمات إرهابية وتيارات انفصالية وبذله الكثير من الجهد والمال والعمل الاستخباراتي أنّ من حقه التحدث بالنيابة عن السوريين، وهنا أيضاً تظهر مفارقة أخرى تتعلق بالشرعية الدولية والنظام العالمي من الجانب السياسي فهل من حق دولة أو جهة أن تكون وصية على شعبٍ ودولة بغض النظر عن الشعارات والمبررات.

نذكر جميعاً ما رافق فوز “دونالد ترامب” بالانتخابات الأمريكية من اتهامات لروسيا للتدخل في تلك الانتخابات (وهي بطبيعة الحال محض افتراءات) وهو المشهد ذاته الذي تكرر عند خسارة ترامب في الانتخابات الأخيرة وتوجيه أصابع الاتهام لجهات خارجية بالتدخل في تلك الانتخابات، إذاً فالقاعدة تقول إنه من غير المقبول أن تتدخل جهة خارجية أياً كانت باستحقاقات داخلية تتعلق بدولة معينة، فما الذي يُـبيح لواشنطن وأتباعها أن يرفضوا في بلدانهم تدخلاً خارجياً يُبيحونه لأنفسهم عندما يتعلق الأمر بمحاولات السطو على إرادة الشعوب الأخرى وقراراتها السيادية.

في سورية، جرى تنفيذ استحقاق دستوري يتمثّل بانتخابات الرئاسة، وذلك وفقاً للمعايير والمهل المعمول بها داخل الجمهورية العربية السورية، أي أنها مسألة داخلية مرتبطة بالسيادة الوطنية والقرار الوطني المستقل، فما الذي يُضير واشنطن وأبواقها من تنفيذ هذا الاستحقاق الدستوري؟.

مرة أخرى ومن نافل القول التذكير أنّ ملايين السوريين اللذين تدافعوا للإدلاء بأصواتهم  يُمثّلون إرادة وطنية سورية ومن المُعيب سياسياً أن يستخف الغرب بإرادة شعبٍ بأكمله ويُواصل العزف على أوتار بالية وأسطوانة مموجة، معتبراً أنه الوصي على قرار السوريين لأن في ذلك استهانة بشعبٍ حرٍ وصاحب قرارٍ سيادي والدليل على ذلك أن سورية حكومة وشعباً لم تضع نفسها وصيّة على الشعب الأمريكي أو الفرنسي والبريطاني أو غيرهم لتقول لهم إنّ خياراتهم وانتخاباتهم لا تُعجب سورية فهذا الأمر متروك لكل شعب كي يُقرر ما يراه مناسباً.

إذاً لماذا تُقيم الولايات المتحدة الدنيا ولا تقعدها وهي تتشدّق بعدم شرعية الانتخابات في سورية؟.. الجواب ليس عصياً على الفهم، فالولايات المتحدة تُريد أن تتحكم بمصائر الشعوب الأخرى، وأن تلعب دوراً ينسجم مع أهدافها التوسعية في العالم، بدليل أنها مازالت تبحث عن حبكة تُشير الى أن الصين قادت مؤامرة على مستوى العالم لنشر فايرس كورونا، وأن التغيرات المناخية كارثة تتحمل مسؤوليتها روسيا، وأنّ التوتر في الشرق الأوسط سببه إيران وليس احتلال إسرائيل لأراضي الغير وعدوانها على دول وشعوب المنطقة.

هنا نبحث عن جانبين لا ثالث لهما وهو منطق السياسة والجانب الاخلاقي، فالولايات المتحدة يحتفظ تاريخها بسجل أسود غير مسبوق باستخدام القنابل الذرية بحق الشعب الياباني واحتلال كل من أفغانستان والعراق وجرائمها في نيكاراغوا وكوبا وليبيا وغيرها الكثير.

فهل يحق لدولة معتدية وخارجة عن القانون الدولي أن تتحدث عن الديمقراطية وحقوق الانسان وان تُنصّب نفسها وصية على الشعوب الأخرى؟.

المطلوب اليوم من واشنطن وأدواتها أن يبلعوا ألسنتهم ويتوقفوا عن الرياء والخداع السياسي، لأنهم أبعد ما يكون عن شعارات الديمقراطية التي تستند أساساً إلى إرادة الشعوب التي تنكّرت لها الولايات المتحدة صاحبة الجريمة الكبرى بحق الهنود الحمر، ولعل الكثيرين يذكرون من هم الهنود الحمر سكان الولايات المتحدة الأمريكية الأصليين الذين همّشتهم واشنطن واغتصبت حقوقهم التاريخية والسياسة والاجتماعية.

شاهد أيضاً

“الاقتصاد” تحدد أصناف الأقمشة المصنرة المصنعة محلياً

شام تايمز – متابعة أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التعليمات المتعلقة بتحديد أصناف الأقمشة المُصنرة …