غيوم أيمن زيدان الداكنة تمطر ألماً

شام تايمز – آمنة ملحم

“ليس بالضرورة أن يعود الإنسان إلى المكان الذي يحب أن يعيش فيه بل ربما يعود للمكان الذي يحب أن يموت فيه”.. تلك الكلمات التي خاطب بها الطبيب أحمد ” وائل رمضان” سائق السيارة الذي تساءل عن عودة مغترب لقريته المحفوفة بفراق أهلها، والذي غاب عن بلاده عمراً بأكمله في عوالم الغربة بقدر ما حملته من ألم في فيلم ” غيوم داكنة” الذي أخرجه أيمن زيدان وكتب نصه برفقة ياسمين أبو فخر، جاءت صادقة على لسان من نهب السرطان قوة جسده فعاد أدراجه إلى أحضان أرض أرادها داره الأبدية علها تغفر له قرار الفراق الذي اتخذه في شبابه بأنانية خلفت ضحية لحب لم يستطع أن يكون وفياً له.

 

يجر الطبيب أحمد ذيول خيبته بجولة حملت مشاهد بانورامية لقرية دمرتها آلة الحرب ففتكت بجدران منازلها دون رحمة وأضاعت ملامحها، ليكون ذلك الدمار في المكان البطل الأول للفيلم في حكاية ليست عادية فهي لم تكن سرداً لقصة تحمل تفاصيل كثيرة، بل اختار أيمن زيدان حكايا متعددة لأشخاص ظهروا كنماذج لواقع ما بعد الحرب.

 

زوجة منكوبة بزوجها الحي الميت أمام عينها ” عليا ” لينا حوارنة والتي اختارت أن تضحي لأجله لآخر رمق علها تكفر ذنباً اقترفته تجاهه يوماً ما، وأخرى تعيش حباً كاذباً يحولها لسارقة “سعاد” نور علي سعياً لهجرة إلى ما وراء البحار، وثالثة تعيش مع ابنها على قيد الانتظار لزوجها العسكري في منطقة يصعب حتى مكالمته فيها.. إنهن صور لحيوات نساء من الحرب ثكالى القلوب حزانى المآقي.

 

وعلى الضفة الأخرى يتنقل صفوان “محمد حداقي” الفاقد لصوابه بعد فقدانه لزوجته وابنه الوحيد بفعل الحرب بين خراب الضيعة المهجورة مردداً عبارات لامعنى لها سوى الفقد والألم، وأب يعيش كالحارس لحفيده وزوجه ابنه بغيابه “أبو فؤاد” رامز عطالله، لدرجة يتحول خوفه عليهم للعنة تحل على ولديه ” جود سعيد وحازم زيدان”  دون أن يدري أن فطريته في الحياة قد تجر مصائب لا يقبلها عقل.

 

هم شخوص تحركوا في فضاء مدمر، بعثرتهم الحرب إلا أنهم التقوا في الألم وتمازجت أرواحهم معه فباتوا كعجينة عركتها الحرب وشكلتها كما شاءت وليس كما شاؤوا هم.

 

غيوم أيمن زيدان الداكنة جاءت محملة بدموع لامست الواقع المعاش فلا أفراح في بلاد عاثت الحرب بأركانها خراباً، وباتت نماذجها الحياتية مبعثرة ولو كانت على أرض واحدة، وكل واحدة منها تبحث عن الخلاص الفردي الذي أصبح صعب المنال.

 

لعب المكان مع الموسيقا في الفيلم بطولة حقيقية فروت الحجارة المكسرة حكايات كثيرة بصورة سينمائية بليغة المعاني، ولغة سينمائية حضرت بقوة فلم يكن مطلوباً من أبطال الفيلم أن يتكلموا كثيراً بل يكفي أن يصمتوا ليحكي شحوب وجوههم أسراراً أخفوها في قلوبهم ويعكسوا وجهة نظر صناع الفيلم عن حال بلاد اغتصبتها الحرب.

ورغم كل ما حمله الفيلم من ألم بمشاهده، إلا أن الأمل نبض ببعض من لقطاته فالساعة التي أصر أبو فؤاد مراراً على إصلاحها نبضت من جديد، وطائرة الطفل الورقية الملونة طارت ولو بنفحات هواء خفيفة علها تعيد البهجة له للحظات، فالأمل كان صعب المنال في الحكاية لكنه الواقع الذي لا يمكن أن يظهر مزركشا عنوة.

العرض الخاص للفيلم انطلق في دمشق ليكون وقعه الأكثر أثراً في قلب مخرجه زيدان وفقما أكد بعد العرض الذي كان بمثابة جرعة جديدة من الألم عليه كما بدا واضحا في معالمه، منوهاً بأنه يحمل خصوصية كبيرة لأنه بين أهل هذه البلاد ويحمل روايات عن أناس يعيشون معهم.

فيلم “غيوم داكنة”: من إنتاج المؤسسة العامة للسينما، تمثيل: وائل رمضان، رامز عطالله، لينا حوارنة، حازم زيدان، لمى بدّور، نور علي، محمد زرزور، والطفل ديفيد الراعي، فيما حلّ ضيوفاً: محمد حداقي، جود سعيد، علاء القاسم، مازن عباس، موسيقا: سمير كويفاتي.

شاهد أيضاً

“إياد نصار” ينجب طفل بطريقة تشعل الجدل في “صلة رحم”

شام تايمز – متابعة شارك الفنان “إياد نصّار” في السباق الرمضاني 2024، من خلال بطولة …