عاشت 40 عاماً على أنها أنثى وهي ذكر.. مأساة “سها” هل تنتهي؟

شام تايمز – مارلين خرفان

تثير مسألة الهوية الجنسية لغطاً في المجتمعات التي لا تفرق بين الهوية الجندرية، سواءً كان ذكراً أم أنثى، وبين التوجه الجنسي والذي يعني إلى أي نوع ينجذب الإنسان، وبالتالي يتم وضع الخنوثة والمثلية مع اضطراب الهوية الجنسية حتى لوكان سبب تصحيح الجنس عضوياً بحتاً.

طفولةٌ في الظل:

نشأت “سها” -اسم مستعار- على شخصية معينة في مرحلة الدراسة الابتدائية، لم تكن تلعب مع أحد ولم يكن لديها رفيقات، كانت تشعر أنها مختلفة عن كل الأطفال، وكان دائماً لديها تساؤل لماذا يلعب الأطفال مع بعضهم ويتركوني لوحدي؟

لم تكن تفهم هذا الأمر، وخاصة أن تسريحة شعر “سها” كانت تشبه تسريحات “الصبيان” ولم ترغب يوماً بوضع الأقراط في أذنيها، أو ارتداء الفستان والتنورة، كانت تشعر بأن هذه الأشياء غريبة عنها وليست لها، وتضيف “سها” خلال حديثها لـ “شام تايمز”: “انتهت هذه المرحلة ولم ينتبه أهلي أو ربما انتبهوا ولكن لا أحد التفت لما يحصل معي أو بماذا أفكر”.

أنا ذكر

تروي “سها” ذات الأربعين عاماً والتي لا تحب أن يناديها أحد باسم مؤنث تفاصيل معاناتها في رحلة البحث عن “هويتها الجنسية” لـ “شام تايمز”، حين بدأت تدرك في المرحلة الإعدادية سبب عدم مرافقة البنات لها، لأنهم ينظرون إليها حسب المفهوم السائد، أن هذه الفتاة “مسترجلة” أو “شاذة” ممنوع الاقتراب منها، كان ذلك أكثر ما يؤرقها ويزعجها، وخلال هذه المرحلة “الصعبة” حسب تعبيرها كانت والدة “سها” منتبهة على التغيرات، حاولت مساعدتها ولكنها لم تستطع، وتتابع: “في قناعتي أن تصرفي صادر عن شخصيتي الحقيقية، أنا ذكر.. ولم أكن أشعر بالاستغراب للشيء الذي أتصرفه فلماذا الناس تستغرب”.

الأيادي البيضاء خذلتني:

امتدت معاناة “سها” لعمر العشرين، حين راجعت أخصائي غدد، وطلب تحاليل، وبحسب تقرير الطبيب كانت نسبة الهرمون الذكري مرتفعة والأشعار الموجودة في جسمها “ذكرية” وكان لدى الطبيب شك بوجود “خصية هاجرة” تفرز هذا الهرمون، ولكن لم يتضح ذلك بالتصوير، ولم يكن معروفاً في تلك الأثناء ما يسمى بـ “اضطراب الهوية الجنسية”.

رفضت “سها” العلاج بعد هذه الحادثة لمدة 5 سنوات، وقالت: “في هذه الفترة، صار دماغي يعرف ما يريد وصار يعطيني الأوامر على أساس أنني “ذكر” وصرت اتصرف على اعتبار أنني “رجل” وبعد الخامسة والعشرين بدأت تزيد الأشعار، وكنت أشعر أنني في مرحلة الرجولة”.

المتغيرات تسببت لـ “سها” بألم في الرأس وتعب بالأعصاب، واستكملت بعدها رحلة البحث عن طبيب لإنقاذها، ووجدت طبيباً قيل لها إنه مشهور و”شاطر” لكنه لم يكن أخلاقياً البتة، بحسب ما قالت “سها”، فإن الطبيب المذكور وبعد الفحص قال لأختها المرافقة لها إلى المعاينة “أختك مريضة نفسياً” وعاملها باستهزاء..

وتتابع “سها” أو “أبو داني” كما تفضل أو يفضل: راجعت اختصاصي بولية تناسلية وعند دخولي للعيادة “سلم عليّ كأني شب”، وبعد الفحص، تحدث لأختي بألفاظ مسيئة وجارحة، طبيب البولية قال: “بدها تتحول لذكر بنحولها، لكن بيضل غير قادر على العملية الجنسية”.

وتابعت: “هذا الطبيب المشهور لم يقدّر حجم معاناتي وألمي وكأن ممارسة الجنس هي الهدف من رغبتي في تصحيح جنسي، وبعد هذه المعاملة السيئة من الأطباء أصابني الإحباط واتخذت قرار التوقف عن العلاج، لأن كل طبيب أراجعه هو بالفعل طبيب شاطر لكنه لا يملك أخلاقاً مهنية”.

في الثامنة والعشرين من عمرها، راجعت “سها” طبيبة نسائية بعد انقطاع “الدورة الشهرية”، ورجحت الطبيبة إجراء عمل جراحي لمعرفة أسباب الحالة النادرة، وبسبب حالة اليأس التي عاشتها في تلك الفترة، لم تتابع العلاج.

حولوني إلى فأر تجارب

قررت “سها” منذ 3 سنوات في عمر الـ 37 أن تتابع العلاج لعدم تحمل الألم، ودخلت مشفى حكومي لإجراء دراسة كاملة على أمل أن تتوصل لعلاج، لكنها فوجئت بما حصل.. حيث قالت: “أول ما دخلت فحصوني طلاب وكأني فأر تجارب وبعدما عجز الأطباء عن تفسير حالتي.

وبعد التحاليل والصور والإيكو تبين لهم أن الحالة “طبيعية”، لكن عليّ اللجوء للطبيب النفسي، وأضافوا أنه في حال لم أقتنع أنني أنثى علي مراجعتهم لإجراء عملية تحويل، وحتى هذه الفترة لا أعلم ما هو مرضي.

وبعد خروجي من المشفى ذهبت إلى طبيبٍ تفهمَ الحالة، أخذ جميع التحاليل والصور وعرضها على أستاذه كونه مختص، فقال له “هذه الحالة كاذبة وعم تضحك على أهلها”.

بارقة أمل:

ومع بداية هذا العام ذهبت “سها” لطبيب نصحها به زملائها في العمل، وبدأ يتحدث معها بصيغة المذكر “أنت أديش عمرك؟ وهلأ لفطنت على حالك” وتتابع: “بعدها ذهبت إلى طبيب مختص بعمليات التحويل الجنسي، وبعد الفحص والتحاليل والإيكو تبين وجود خصية يسرى، وأكد لي أنني بحاجة لعمل جراحي، وبعدها أجريت رنين مغناطيسي تبين فيه أن حالتي طبيعية على الرغم من أن الطبيبة المختصة التي أجرت لي الرنين أكدت لي وجود أعضاء ذكرية عند إجراء الصورة، ولم أصدق الصورة وأخدت نسخة ثانية منها على قرص مدمج ليقرأها الطبيب فكانت النسخة معطوبة، والطبيب بحاجة للتقرير ليعرضه على القضاء من أجل أخذ الموافقة على عملية التحويل، وهنا بدأت حالتي النفسية بالتراجع والتدهور، ففي كل مرة أذهب فيها إلى طبيب أعود إلى نقطة الصفر.

مصير سها تحت رحمة الطبيب النفسي والقضاء:

وتابعت: “منذ ستة أشهر راجعت أخصائي البولية والتناسلية الدكتور إبراهيم شما والذي أكد أن حالتي هي اضطراب الهوية الجنسية، وهذا المرض علاجه الوحيد عملية تصحيح الجنس، بعد ذلك أجريت عملية تنظير، وتم استئصال “كتلة على المبيض” ولكن هذه الكتلة ليست السبب في مرضي، وتم تحويلي إلى أخصائي غدد، ثم للطبيب النفسي، الذي أكد تقريره أن هذه الحالة اسمها اضطراب الهوية الجنسية وسيتم إجراء العملية”.

أخصائي البولية والتناسلية الدكتور “إبراهيم شما” أكد لـ “شام تايمز”، أن الحالة التي تعاني منها “سها” هي “اضطراب الهوية الجنسية”، حيث يشعر الشخص بداخله أنه جنس مغاير لشكله الخارجي، فشخص مثل “سها” يشعر من داخله بأنه ذكر ودماغياً يشعر أنه ذكر، ويشعر أن الشكل الخارجي غير متوافق مع ما يرغب، وهذا الأمر موجود على مستوى العالم، وكان عليه خلاف سابقاً، ومنذ 50 سنة تقريباً صار هناك موافقات على أن يتحدد الجنس ويتصحح بما يتوافق مع شعور المريض.

وأوضح “شما” أنه منذ سنتين في سورية كان هناك حالة معاكسة لحالة “سها” حيث كان ذكراً صحح جنسه وتحول إلى أنثى، وحصلنا على موافقة القضاء للتحويل، بعد تأكيد الطبيب النفسي من خلال متابعة الحالة لمدة سنة ونصف.

وبيّن الأخصائي أنه تتم الدراسة لنفي الأسباب العضوية، ويليها إحالته لطبيب نفسي لتقييمه، وفي حال أكد الطبيب النفسي أن لديه “اضطراب الهوية الجنسية” فينصح بتحويله إلى الجنس الذي يشعر فيه، وبناءً عليه يأخذ القضاء بالموضوع ويسمح بالعملية، وبعد التحويل تتم المعاينة القضائية الثانية، من أجل تحويل الثبوتيات.

ويرجع “شما” تأخر تشخيص حالة “سها”، إلى أنه في سورية لم يكن معروف هذا الأمر، وعلى ما يبدو أن هناك أطباء غير متعاونين، مضيفاً أن المرض يبدأ في مرحلة الطفولة المبكرة ويبدأ الشعور بالحالة مع صراع نفسي حاد وآخر مرحلة منه هي الوصول إلى الانتحار.

واعتبر الطبيب أنه من الأمور الصعبة التي تواجه المريض هو إقناع الأهل، لأن عملية التحويل فيها الكثير من الرضى النفسي والرضى الاجتماعي خاصة في مجتمعنا، مضيفاً أن الناس في مجتمعاتنا لا تفرق بين “اضطراب الهوية الجنسية” والحالات الأخرى كالمثلية.

اعتراف:

ويرى الناشط في الشأن العام “أنس بدوي” أن الوضع الحالي لهذه الفئة في سورية غير واضح الملامح، أو ملامحه مشوّهة، معتبراً أنه لا يمكن أن نتوقع الأفضل غداً بناءً على معطيات اليوم، ففي البداية يجب أن يتم الاعتراف بوجود هذه الفئة، على اعتبار أن الاعتراف هو جزء مهم لحل المشكلة مع المحيط، فاضطراب الهوية “الجندرية” يؤدي لاضطراب في الوجود قبل التحدث عن الماهيّة، وهذه كارثة “هل أنا موجود؟”.

وأضاف “بدوي” أن هذه الفئة تعاني أيضاً من “التنمر” بسبب التربية التي يربي بها الآباء أبناءهم، مضيفاً أنه لا شك أن “سها” تألمت وبكت وهي صغيرة بسبب هذا “التنمر”، وبسبب المحيط الذي يعتبر الصحة النفسية “رفاهية”.

وأشار “الناشط” إلى أن مجتمعنا وللأسف يُطلق على هذه الحالات صفة “شاذ”، وما يرادفها من مصطلحات تهكمية قذرة لا أكثر.

شاهد أيضاً

مجلس إدارة جديد لنادي الشرطة الرياضي المركزي

شام تايمز – متابعة انتخب أعضاء نادي الشرطة الرياضي المركزي مجلس إدارة جديدة لهم برئاسة …