تل حلف أو غوزانا يقع هذا التل شمال شرق سورية في الجزيرة السورية على بعد 2 كم جنوب غرب بلدة رأس العين، ويتميز الموقع بأنه نموذج للثقافة التي كانت سائدة في تلك الفترة التي استمرت وتطورت بدءاً من العصر الحجري من دون أي انقطاع سكني طويل. اكتشفه الدبلوماسي الألماني البارون ماكس فون أوبنهايم مصادفةً في نهاية القرن التاسع عشر وذلك عند مسح المنطقة أثناء تنفيذ سكة حديد قطار الشرق السريع، وعاد مرةً أخرى للتنقيب فيه بين عامي 1910 و1913 كمرحلة أولى، كما عاد مجدداً إلى الموقع ليستأنف العمل عام 1927 بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى على إثر اكتشاف البدو بعض التماثيل أثناء حفر قبر لدفن أحد أمواتهم في الموقع، حيث ترأس حملة تنقيب واسعة في ظل الانتداب الفرنسي وأودع مجموعة من مكتشفاته في متحف صغير أنشئ في حلب وحمل معه إلى برلين مجموعة أخرى من هذه المكتشفات، ويعود تاريخ حضارة غوزانا العريقة إلى أواخر الألف السادس قبل الميلاد حيث تم العثور على العديد من النقوش المكتوبة بالأكادية والآرامية ولوحات منحوتة تمثل طقوس العبادة والصيد ومشاهد من الحياة العامة التي شكلت المصدر الرئيسي لمعرفة تاريخ هذا الموقع، إضافة إلى اكتشاف العديد من القصور والمعابد والتماثيل، وقد أكدت التنقيبات أن الموقع يعتبر أقدم مركز حضاري في المنطقة كما يتميّز بغناه الأثري حيث أظهرت التنقيبات الأثرية أن «تل حلف» قد مر بالعديد من الحقب التاريخية، فقد ضم التل عدة سويات أثرية وهذا يعكس أهمية موقعه الجغرافي وخصوبة أراضي تلك المنطقة ووجود نهر الخابور وتوافر أسباب المعيشة.
يضم التل مساكن مستديرة ونماذج خاصة من الفخار من حيث اللون وأسلوب التصنيع والشكل بكميات كبيرة، وهو جميل ودقيق وملوّن ومصقول ومزيّن بأشكال هندسية ونباتية وحيوانية وإنسانية يعرف بفخار تل حلف وفي القرن العاشر قبل الميلاد استولى الآراميون على تل حلف وتمت إعادة تأسيسه تحت اسم غوزانا وتحوّل إلى دولة مدنية تابعة للآراميين. كانت مدينة غوزانا محصنة ومحاطة بسور مستطيل الشكل تبلغ مساحتها نحو 200000 م2 وتضم قلعة إضافة إلى قصرين أحد هذين القصرين شيّده الأمير الآرامي كبارا بن قاديانو الذي أقام عاصمته غوزانا مستفيداً من نظام الأبنية القديمة في إشادة بيوت المدينة وأسوارها، وأما قصره فقد شيّده على طراز بيت هيلاني وزين واجهته بتماثيل ضخمة تنتصب على حيوانات مزينة بنقوش بارزة تمثل مشاهد الحرب والصيد والطيور وصراع الوحوش ومشاهد الضحايا، ونحتت عند المدخل كتابات تقول: «هذا قصر كبارا بن قاديانو عملته أنا ومن يمحو اسمي ويضع اسمه مكانه فليحترق أولاده»، وتم العثور أيضاً على مدفن ملكي وعدد كبير من الأواني والتحف، وفي القرن التاسع قبل الميلاد تم تخفيض تصنيف المدينة والمناطق المحيطة بها إلى تصنيف محافظة تابعة للإمبراطورية الآشورية، وفي عام 894 قبل الميلاد أصبح حاكم «غوزانا» يدفع الجزية إلى الملك الأشوري «حدد نيراري الثاني» عندما بسط نفوذه على المناطق الواقعة إلى الغرب من آشور، وقد عايشت غوزانا انهيار الإمبراطورية الآشورية واستمرت مأهولة حتى الفترة الرومانية.
تل أسود
يقع تل أسود الأثري على الضفة الشرقية لنهر البليخ ويبعد مسافة 80 كم شمال مدينة الرقة، وتعتبر منطقة البليخ من أكثر المناطق التي استوطنها البشر منذ الألف السابع قبل الميلاد ويتوضع التل على قمتين يرتفع أعلاها حوالي20 م عن مستوى النهر.
دلّت التنقيبات الأثرية التي قامت بها البعثات الأثرية على وجود سويات أثرية سابقة تعود لحضارة تل حلف التي قامت في عصور ما قبل التاريخ، حيث تم الكشف عن أطلال مساكن بنيت جدرانها من مادة اللبن إضافة إلى وجود دمى طينية إنسانية وحيوانية وأشكال أخرى من مصنوعات مختلفة، ودللت الدمى الطينية والحلي وكذلك الطقوس الجنائزية على أن تل أسود كان معاصراً لمستوى العصر الحجري الذي سبق صناعة الفخار في أريحا بفلسطين أي ما يوازي الألف السابع قبل الميلاد، كما وجدت بعض الهياكل العظمية وعظام حيوانية إضافة إلى بعض المصنوعات الصغيرة التي تستعمل للزينة مثل الخرز الملون وأقراط الآذان أغلبها مصنوع من حجارة متنوعة وصدف وهي ذات مغزى ديني وتدل على ممارسة بعض الشعائر الدينية إضافة إلى وجود نصلات المناجل، وقد أكدت عظام الأسماك والطيور الموجودة أن سكان قرية تل أسود كانوا يمتهنون الصيد إلى جانب ممارستهم الزراعة، ومن خلال دراسة وتحليل البقايا النباتية تم التعرف إلى أنواع المزروعات والنباتات التي كانت قائمة في تلك الفترة.
تل بري
يعتبر تل بري من ضمن التلال الأثرية المهمة الموجودة في منطقة الجزيرة السورية ويقع إلى الشمال من تل براك بنحو 10 كم على الضفة الشرقية لنهر جغجغ ويبعد مسافة 55 كم شمال شرق مدينة الحسكة ويعد من المناطق الحضارية الأولى. في القرن الخامس قبل الميلاد أي خلال الفترة البيزنطية تم تجهيز الموقع على كامل محيط التل بسور دفاعي مجهّز بأبراج ومبانٍ، وخلال التنقيبات الأثرية التي تمت في التل تم اكتشاف عدة سويات حضارية تعود إلى أزمنة متعددة تمتد من الألف الثالث قبل الميلاد وحتى العصر الروماني، إضافة إلى جرار فخارية وحلي من الصدف ومنحوتات من حجر البازلت وأختام أسطوانية وخواتم برونزية وألواح فخارية وزخرفة كلسية، وبلاطات مصنوعة من المرمر تعود إلى العصر الآشوري الحديث، وأجزاء من مصنوعات ودواليب، وأوان فخارية تعود إلى العصر الأكادي، وأدوات منزلية وبلاطات حجرية وجرن بازلتي عليه كتابة مسمارية، كما أسفرت الحفريات في الموقع عن بناء ضخم مبني من مادة الآجر المشوي واللبن والحجارة. تبلغ مساحته نحو 600 م2 ويحتوي على أرضيات مرصوفة وحوض مكسي بمونة كلسية وجرن كبير من الفخار وأقنية لتصريف المياه وقبور وتنانير تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد، كما تم العثور على عدة لقى أثرية مكونة من تماثيل ودواليب لعربة مصنوعة من الطين إلى جانب مجموعة من الأواني الفخارية، ودمى حيوانية ومسامير ورحى ومدقات بازلتية وتمثال لرجل عار منحوت من الحجر الأبيض الرخامي وعظام عليها زخارف وخرز وأحجار متنوعة وأسرجة فخارية، ومن اللقى التي تم العثور عليها أيضاً كتلة مسطحة سميكة من حجر البازلت نقشت على سطحها كتابة مسمارية.
تل العبر
هو تل أثري منبسط غير مرتفع يقع في منطقة عين العرب ويبعد عن محافظة حلب نحو 50 كم من الجهة الشمالية الشرقية على الضفة اليسرى لنهر الفرات، وكان يشكل قديماً نقطة عبور مهمة عند ملتقى نهر الساجور بنهر الفرات، ويعود تاريخ التل إلى عصور قديمة جداً قد تصل إلى 10 آلاف سنة قبل الميلاد ويشكل الموقع بداية استيطان الإنسان السوري القديم، وتؤكد الأبحاث والدراسات التاريخية أن موقع تل العبر الأثري هو أقدم منطقة في العالم مارست زراعة الحبوب واستخدمت غرفاً داخلية صغيرة لتخزين الحبوب والبقول، ويمتاز التل بأنه أول موقع أثري سوري مؤرخ بالعصر الحجري الحديث، اكتشفت فيه بلاطات منحوتة بشكل أعمدة حجرية طليت بالطين وكسيت بالكلس بطريقة فنية لم تستخدم قبل ذلك في المواقع النيوليتية، كما تم العثور على لوحة تعتبر من أقدم اللوحات التي تصور سلسلة من الجبال يقطعها نهر الفرات، وتؤكد التنقيبات الأثرية في الموقع قيام حضارة مزدهرة في الألف الرابع قبل الميلاد حيث نشطت فيه صناعة الفخار المشوي والمزخرف بأشكال هندسية على شكل مثلثات، وتبرز أهمية تل العبر لكونه الموقع الوحيد المتبقي الذي يؤرخ لعصر العبيد في المنطقة (نهاية الألف الخامس وبداية الألف الرابع قبل الميلاد)، إذ إن جميع المواقع الأثرية السورية المؤرخة لتلك المرحلة والواقعة على نهر الفرات قد جرفها نهر الفرات أثناء فيضانه وغمره للأراضي المجاورة له، ومن أهم اللقى الأثرية المكتشفة في الموقع أقدم آنية في العالم مصنوعة من حجر الكلوريت، كما عثر أيضاً على أدوات صوانية مهمة كالبلطات والمثاقب ورؤوس السهام والآنية الكلسية البيضاء التي تعطي صورة واضحة عن الحياة الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الجزيرة السورية، وآنية تصور إنساناً من دون رأس في وضعية القرفصاء، ذراعاه مرفوعتان نحو الأعلى وبيده اليمنى حربة موجهة إلى حيوان، كما تم العثور على عدد من الألواح المصنوعة من حجر الكلوريت تتضمن مواضيع متعددة منها لوح نحت عليه نسر طائر فارد جناحيه، وعلى أطراف اللوح من الجانبين نحت لشكل أفعى ولوح آخر يمثل نحتاً تجريدياً يصور ثلاثة نسور مفرودة الأجنحة وتحتها قرص الشمس، ولوح حجري نحت عليه سنبلة قمح وبجانبها يدان تحيط بها، وتكمن أهمية هذه اللوحات التي تم اكتشافها في تل العبر أنها دلت على التنظيم الاقتصادي والاجتماعي، كما تعبر عن ثقافة السوريين القدامى والمعتقدات التي كانت سائدة في المجتمع وتفاعلهم البنّاء مع محيطهم ودورهم الإيجابي ومساهمتهم بالحضارة الإنسانية.
مستشار وزير السياحة