الشريط الإخباري

رواية «غبار 1918».. فاتن المرّ تنبش الألم وتحوله إلى كائن لطيف!

نص سردي مملوء بالأسى تحكي فيه فاتن المر مذكرات أليمة عاشتها معظم العائلات اللبنانية أثناء الحرب العالمية الأولى وانتشار المجاعة والاضطهاد العثماني للناس وسوقهم إلى الحرب بالقوة.. فترة تاريخية حساسة ودقيقة تربط بين الحفيد الذي حطت به الرحال في «ديترويت» في أميركا، وما كانت عليه الحال في زمن المجاعة الذي دفع الجد للهرب من لبنان حاملاً معه بعض المذكرات والأحداث التي سيعثر عليها الحفيد ضمن كتاب قيد الترجمة لتتكشف المرحلة عن معاناة إنسانية كبيرة تكبد السكان خلالها الكثير من المآسي والخسارات وفقدان الأعزاء بسبب الموت جوعاً.. في هذه الأجواء كان على فاتن المر أن تعبر إلى داخل الشخصيات لتحكي قصة عائلتها وتقوم بالربط مع الحاضر وتطرح أسئلة للمستقبل أيضاً.. القضية شائكة والكثيرون من خبروا بعضاً من تلك السنين مازالوا على قيد الحياة.. الأطفال أصبحوا كهولاً لكن الأحداث حفرت في أرواحهم وتالياً كان لابد من الكتابة على هذا النحو من الحدة والإصرار على الاستمرار.. تتنقل الرواية بين زمنين بعيدين لكنهما قريبان جداً من حيث آثارهما على الأحفاد المثقلين بعبء الذاكرة، هناك في أميركا كان عليهم أن يؤسسوا عائلات جديدة مع مجتمع مختلف وينسلخوا بشكل كامل عن الجذور التي أورق منها كل هذا الألم..
جمل قصيرة غير مملة وأحداث متلاحقة مع وصف مشذب غير زائد يزيد من انسابية الأحداث وتلاقي الشخصيات وتفاعلها، لأن الكاتبة تبدو مشغولة بالفحوى الذي تقدمه القصة في جميع تفاعلاتها، وتالياً فإن السرد غير المسهب يترك أثره الايجابي على القارىء الذي يريد اكتشاف النتائج التي أدت إليها تفاعلات تلك المرحلة التي يمكن تعميمها على جميع أبناء المنطقة بسبب رزوحها تحت الاحتلال العثماني ومعاناتها من الاضطهاد والإعدامات والسوق الاجباري إلى الحروب.. في هذه الأجواء يبدو الاحتفاء بالحب والطبيعة مثل بارقات الأمل التي تظهر بين الحين والآخر من بين السطور كي تجعل المشهد غير قاتم تماماً..
إنها قدرية العودة إلى الجذور وضرورة إجراء عملية نبش كامل للمنزل القديم الذي تم رهنه من أجل بعض الطحين أو من أجل مئتي ليرة كانت هي المبلغ المطلوب من أجل السفر إلى أميركا هرباً من الاضطهاد.. لقد قطع العثمانيون شجر التوت في الحديقة وفتكوا بدود القز وإنتاج الحرير الذي كان يطعم العائلة، وخلال زمن بسيط تحول المكان إلى صحراء جرداء مع تناثر بعض الأعشاب البرية بشكل عشوائي بعدما تسبب الجوع بتخريب العلاقات الاجتماعية وأبعد الناس عند ممارسة هواياتهم في زراعة الأزهار والعناية بها.. سيرى القارىء في هذه القصة كيف يموت الأطفال، وهم نيام من شدة الهزال الذي سببه الجوع، وكيف تتغلب في بعض الأحيان أنانية الإنسان كي تجعله يخبىء كيس الزبيب بعيداً عن الأعين كي يقتات منه كلما فتك به الجوع، لكن الكارثة ستكون أكبر عندما تموت الأخت الصغيرة بسبب انعدام الطعام حيث الكفارة مستحيلة هنا والعبء الإنساني أكبر من أن يوصف..
برغم تزاحم الأحداث المأسوية، فإن نوافذ الحب ستبقى مفتوحة لتعطي الأمل بإشراقات جديدة ومختلفة، وستقول زينة لعاشقها في ختام الرواية: «لقد نجحت في أن تجعلني أحبك».. برغم أن الراوي يشكك في هذه النهاية التي يحاول الانحياز إليها، برغم النهايات التقليدية التي تحتم موت الأبطال أو انتصارهم.. هكذا يمضي النص نحو النهاية: «في وطني نحيا برغم أنف من يختارون لنا كل حقبة بعد أخرى أساليب جديدة للموت.. نكتب أو نغني أو نصاب بالجنون حتى لا نموت».. رواية تؤرخ لمرحلة كاملة وتنبش في قلوب الأسى بثقة.

شاهد أيضاً

محاضرة للباحث “صالح خلوف” في فرع دير الزور لاتحاد الكتاب العرب

شام تايمز – متابعة أقام فرع دير الزور لاتحاد الكتاب العرب  محاضرة  بعنوان “لماذا انحسر …