لكن نحن في سورية يمكننا القول إن الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة, ومتناهية الصغر تشكل إحدى الأدوات المهمة لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويعود ذلك مبدئياً لكونها تمثل النشاط الاقتصادي التقليدي إضافة لمردودها الإيجابي ضمن الاقتصاد الوطني من حيث دورها الرائد في توفير فرص عمل جديدة وقدرتها على تحقيق الربط بين الأنشطة الاقتصادية وذلك بمتطلبات متواضعة مقارنة مع غيرها من أنواع المشاريع التنموية, لكن الرابط المهم والأساسي والمؤسس لانطلاقة اقتصادية نحقق من خلالها الاكتفاء الذاتي من جميع المنتجات والوصول الى حالة استقرار يمكن من خلالها تأمين مصادر القوة للاقتصاد الوطني والتي تعتمد على شريان التصدير للفائض ليس من المشروعات المذكورة وإنما المؤسسات والشركات الاستراتيجية التي يفيض إنتاجها والتي هي بالأساس معدة لذلك.
وضمن الإطار ذاته أشار المدير العام لهيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة إيهاب اسمندر إلى حجم الضرر الذي أصاب المشروعات التنموية الصغيرة منها ومتناهية الصغر, إلى جانب المشروعات الكبيرة, الأمر الذي أدى إلى صعوبة حصر تعدادها وإجراء مسح شامل, وتالياً أصبح من الصعب تحديد النسب الدقيقة لتوزع المشروعات حسب حجمها وعلى أساس ميداني.
ولكن بالاستناد الى المشاريع المسجلة لدى هيئة تنمية المشروعات الصغيرة والمتوسطة, التي تشكل عينة يمكن القياس عليها لفهم تركيبة المشاريع في سورية, حيث نجد أن القسم الأكبر تناقص حجمه وتضررت المشاريع الكبيرة والمتوسطة وعادت لتنطلق بصيغة مشروعات أصغر.
اما المشاريع الصغيرة فحافظت على استقرار نسبي أكبر بسبب قدرتها على المناورة وتفادي التخريب الذي سببته الحرب, وعلى أساس ذلك يمكننا القول إن حجم المشاريع متناهية الصغر يشكل 94% من حجم المشاريع, وهي تتماهى مع المشاريع الصغيرة حيث يحدث الكثير من الاختلاط بين هذين النوعين من المشروعات, في حين يبلغ حجم المشاريع الأكبر نسبياً حوالي 5% من حجم المنشآت العاملة في سورية.
لكن هذا لن يمر من دون الخوف على عودة هذه المشاريع لمواجهة مشكلات كبيرة تؤثر سلباً في حركتها والأداء الإنتاجي المرتبط بها في مقدمتها ضعف التمويل لهذا النوع من المشروعات والذي يحتاج سمات معينة, إضافة إلى انخفاض حجم الضمانات, وتفهم الآلية الإنتاجية للمشروع في عملية سداد أقساط القروض, وانخفاض أسعار الفائدة, وتالياً هذا الأمر يقتضي بالضرورة وضع برامج محددة لدى المصارف ومؤسسات التمويل لتكون قادرة على التعامل مع المشروعات الصغيرة تمويلياً, والهيئة تحاول حالياً استكمال قواعد البيانات المتعلقة بالمشروعات متناهية الصغر ووضع استراتيجية محددة لتطويرها بما في ذلك برامج التأهيل والتدريب وحاضنات الأعمال, وحل مشكلات التمويل والقضايا المتعلقة بالترخيص الإداري وغيرها.
وفي رأي اسمندر أن الهيئة تعمل ضمن هذا الإطار ضمن موازنتها المخصصة لهذا العام والبالغة قيمتها 600 مليون ليرة, يتم إنفاقها على المشروعات وفق رؤية تحقق العائد الاقتصادي منها.
ويؤكد اسمندر أن الأهمية في العمل للمرحلة الحالية والقادمة والأهم أيضاً في العمل الحكومي هي التوجه نحو الصناعات الأساسية التي تشكل حاملاً كبيراً, ومقوماً أساسياً من المقومات الأساسية التي تبنى عليها المكونات الاقتصادية والاجتماعية والتي بدورها تكفل تحسين الحالة الاقتصادية على المستوى الحكومي من جهة وعلى مستوى تحسين مستوى الدخل للمواطن من جهة أخرى, وهذا لن يتم إلا بالاعتماد على قطاع المشروعات المتنوعة ولاسيما المتوسط والصغير منها, إلا جانب الاهتمام بالمشروعات متناهية الصغر التي لاتقل في أهميتها عن المشروعات المذكورة وذلك من أجل تأسيس مكون اقتصادي كبير يبني استراتيجية تطوير وتعزيز واضحة للمنتج المحلي قادرة على تأمين حاجة السوق المحلية, وتحقق التوازن السعري والمنافسة في المنتجات المماثلة في أسواقنا المحلية, وهذه تحتاج تضافر كل الجهود الحكومية لتحقق ذلك خلال المرحلة المقبلة, وخاصة في ظل ما يعانيه بلدنا من عقوبات اقتصادية وحصار جائر أحادي الجانب مفروض من الدول المعادية على بلدنا.

سامي عيسى