ولم تعد ولائمُ أناسنا الطيبين عامرة إلا بالحسرة والتهاب الأعصاب من كثرة الجمع والطرح وحساب الديون بعد أن كانوا لا يحسدون الملوك وهم ينعمون بـ«مطبخهم الشامي» وألوان قزحه من «الشيش برك» والكبسة مع المكسرات والحلويات مع الفستق الحلبي… لأنه حتى «الفول بزيت» بات عند البعض يؤكلُ مرة كل شهر بعد أن كانوا «صحن فول طالع وصحن فتّة نازل» والمخلّلات على السفرة تثير الخيال أكثر من لوحات «بيكاسو» وتلهب عقول الرجال أكثر من «سورياليات» سلفادور دالي.
كأنّ البعض عندنا يعيشون مثل الأمير الصغير على «الكوكب 612» الذي اخترعه مؤلف حكايات الأطفال «سانت أكزوبري» تاركين الفقراء يُغمّسون لقيمات خيباتهم بزيت صبرهم ودسم «تعتيرهم» مع ما تبقى من «كاري» الأحلام المؤجّلة, لأنهم -البعض- لم يذوقوا طعم المرار في كل حبّة زيتون سُرقت وكل شجرة زيتون أحرقت, كأنهم لا يعلمون، أو لا يريدون أن يعلموا، كيف يستبيح تجار العقارات عشرات الدونمات من شجر الزيتون ليبنوا عليها مشاريعهم السياحية وهم يجمّلونها للناس على أنها «شقق العمر» و«فيلّات السعادة الغامرة» و«دوبليكسات الحياة الهانئة», كأنهم لا يعرفون كيف أصبح «ليتر» واحد من زيت الزيتون, هذه المادة السحرية المقدّسة, حلماً بكل معنى الكلمة عند من كانوا يصدّرون خيراتهم إلى جهات الأرض الأربع.
يا خوفَ قلبونا أن تكون خطط إعادة الإعمار عند البعض بهذه الطريقة وهذه العقلية، عندها لن ينفعنا غناؤنا مع وديع الصافي: «يا ريت يا قلبي يا ريت لا حنّيت ولا حبيت، حكاية عمرك رح بتصير متل حكاية إبريق الزيت… متل حكاية ابريق الزيت»!

جواد ديوب