ثم بعد أن جمعَ وطرحَ ما خبّأه لوقت الضيق من مدخرات، وما سحبه من تحت مخدة زوجته، وما استدانه من سلفة مالية وجمعية مع «بوسة ذقن ومنّية»، وما «شحَّدَه» والدُه مِن نقودٍ مغمّسة بالجملة الأبوية التي تذكّره دائماً بصراع الأجيال وحكمة الآباء الدهريّة: «لتعرف الفرق بين جيلنا وجيلكم الفراطة»، والمبلغ السرّي الذي أعطته إياه خفيةً أمُّه الحنون… بعد كل «عجقة» وشرارات الحسابات المتطايرة ومنظرنا المضحك ونحن نؤرجح أيدينا في الهواء لإجراء الحساب الذهني/الأباكوس كان المجموع: مئة ألف ليرة فقط من أصل (مئة وخمسين ألف ليرة كقسطٍ لطفل واحد).
حينها قفز صديقي مثل كنغرٍ أستراليّ ملدوغ وشدّ شعره وشعري وشعر أولاده وهو يصيح: «بدكن تدرسوا بالروضات الخاصة يا أولاد… أصلاً الحقّ ليس عليكم بل على أمّكم التي لم تعرف كيف تبقيكم في بطنها».
ونظر إليّ بعينين ضفدعيّتين منتفختين من ارتفاع الضغط وكاد يشتمني أيضاً لولا أنه تدارك وشتم مَنْ كان عليه الحق في انتشار الروضات والمدارس والجامعات الخاصة وتكاثرها مثل الفطر السامّ تحت عِلم المعنيين ومباركتهم وتجاهلهم فقر الناس وبؤسهم وفقدانِهم آخر ما أبقتْ عليه الحرب من أملٍ بأن الغد لا بدّ سيكون كريماً ولائقاً بأبنائهم… وراح يرقص و«يُزلغط» ويغنّي: «خصخصني يا كدع»… فيما زوجته وأولاده وأنا «ندبكون»!

جواد ديوب