الترجمة إلى العربية في مجموعة كتب بين الحرفية والحرة جداً والمشوّهة التي تخون النصوص

«To be or not to be this is the question.»
منذ زمنٍ طويل، وهذه العبارة التي قُيلت على لسان «هاملت» إحدى أهم مسرحيات الكاتب البريطاني وليم شكسبير، وهي تُترجم «الكون أو عدم الكون؛ ذلك هو السؤال» أو بالترجمة الأشهر والأكثر ترديداً: «أكون أو لا أكون؛ هذا هو السؤال». غير أنّ الدكتور وليد محمد السراقبي؛ يرى أن كلتا الترجمتين مشوهتان، وفي رأيه أن شكسبير لم يقصد إلى ذلك البتّة، فمعرفة مستوى الحرج الشديد الذي وجد هاملت نفسه فيه؛ دفعه إلى أن يصرخ بالعبارة السابقة التي تعني:«القضيّة قضيّة حياة أو موت». ومثل هذه الترجمة المشوّهة الكثير، وقد حدد أسبابها الباحث السراقبي في غير مسألة. خُصص لها العدد الثالث من سلسلة «قضايا لغوية» التي تصدرها الهيئة العامة السوريّة للكتاب – وزارة الثقافة، بعنوان «الترجمة المشوّهة وفوضى المصطلح اللساني».
هذه الترجمة التي وصفها السراقبي بـ« المشوّهة»؛ هي نتاج ترجمتين: الترجمة الحرفية، أو الترجمة الحرة، والبعض يقول عنها؛ الحرة جداً، ونتاج هاتين الترجمتين؛ يُعدد الباحث عشرات الترجمات المشوهة منها ما طال حتى الكتب السماوية المُقدسة.
يُعرِّف الدكتور السراقبي الترجمة الحرفية، أو اللفظية، بتلك الترجمة التي تقتضي التزام الصورة اللفظية، وترتيب العبارات والتراكيب في النص الأصلي، وما على المُترجم إلا وضع مُقابلات لها من اللغة الهدف، وفي هذه الترجمة يكون الاعتماد على المُعجمات الثنائية اللغة، وبتقديره؛ فإنّ هذا النوع من أسوأ ما يلجأ إليه من فقدوا البراعة في اللغتين الأصل والهدف، ففي هذا النوع إهمال أمور كثيرة وإغفال لها، ومن ذلك: الخصوصية الأسلوبية لكلّ لغة، واختلاف اللغات في قبول جمل مُفسرة أو مُعترضة، وكذلك الفوارق بين اللغات في قبول أدوات الربط واستخدامها، وأخيراً وجود بنيات مُضمرة يفترضها النص، وقد خُفي على سالكي هذا السبيل في الترجمة أنّ قارءهم – إذا استطاع أن يقرأ لهم- غايته أن يقف على المعاني بوضوح من دون النظر إلى المُطابقة بين تقسيم الجمل في اللغتين الأصل والهدف.
أما الترجمة الحرة، وتُسمى بالترجمة المعنوية لما فيها من التصرّف، بل إنّ بعضهم جعل منها نوعاً سمّاه (الترجمة الحرة جداً) ومن خلالها ترجم فيزجرالد رُباعيّات عُمر الخيّام، التي لا يُمكن الرضا بها والاطمئنان إليها لما فيها من نقص وقصور وتخوّن، حيث ترتكز الترجمة المعنوية على: القراءة العامة للنص، معرفة أسلوب الكاتب معرفة مُعمقة، إدارة معاني النص في الذهن، تخيّر الألفاظ المُعبرة عن مقاصد المؤلف، عدم الالتفات إلى المكوّنات اللفظية للنصين، والاهتمام بخصوصية اللغة الهدف.
ومن هنا ليست هناك ترجمة حرفية وأخرى غير حرفية، وإنما هناك ترجمة جيدة وترجمة غير جيدة..
وفي كتابٍ آخر صادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب؛ يوضح من خلاله غير كاتب مشكلات الترجمة، وذلك من خلال الكتاب – الكراس الذي أعدّه مدير الترجمة في الهيئة حسام الدين خضور من مداخلات «ندوة الترجمة 2017م» التي أقامتها الهيئة، وخلاله تذكر وزيرة الثقافة السابقة الدكتورة لبانة مشوّح: تُطالعنا في المكتبات ومعارض الكتاب مئات العناوين لكتبٍ مترجمة، فيخال المرء للوهلة الأولى أنّ حركة الترجمة بألف خير، تجذبنا العناوين، تغرينا الأسعار، وتستهوينا الموضوعات، لكننا نفاجأ في كثير من الأحيان بتفكك المضمون، وركاكة الأسلوب؛ وعند التدقيق والعودة إلى النص الأصل، نُصدم أحياناً بأخطاء ترجمية تتراوح في شدّتها بين الافتقار إلى الدقة، والتحوير، والتشويه، وتضيف مشوّح: لقد فتحت الصحافة ودور النشر التي تسعى إلى الربح السريع، الأبواب على مصاريعها أمام الترجمة التي كانت إلى أمدٍ ليس ببعيد حكراً على نخبة ثقافية ولغوية، ثم ما لبثت أن أصبحت مشاعاً لكل من ظنّ في نفسه القدرة على قراءة نص بلغة أجنبية وفهم فكرته العامة.. وتصنف مشوّح مشكلات الترجمة في سورية ضمن فئتين رئيستين: مشكلات معرفية، ومشكلات تنظيمية.. وترى أنّ الترجمة عمل تواصلي بين لغتين وثقافتين، تتطلب ممن يُمارسها اتخاذ سلسلة من القرارات المتلاحقة، بعضها إداري نابع من خيارات نظرية، وبعضها الآخر لا إرادي يستند إلى مخزون المترجم اللغوي والثقافي، وهو ما يُمكنه من الغوص في أعماق النص والإحاطة بدلالة عناصره اللغوية وغير اللغوية التي يكون إدراكها رهناً بثقافة القارئ/ المترجم وبعمق معرفته بمجمل السياق الحضاري للنص..
وتسوق الباحثة أخيراً جملة من الإجراءات التي من شأنها أن تنهض مجتمعة بواقع الترجمة في سورية منها: إيلاء تعليم اللغات الأجنبية الأهمية التي تستحق، والبدء في مرحلة عمرية مبكرة، وتأمين الحاجة إلى مدرسين أكفاء، إعادة النظر في آليات ومعايير قبول الطلاب في أقسام اللغتين الفرنسية والإنكليزية أسوة ببقية أقسام اللغات الأجنبية في جامعة دمشق، العمل في أقسام الآداب واللغات الأجنبية على تعديل المناهج الجامعية وتحديثها بما يتلاءم والاحتياجات من مدرسي لغات ومترجمين ونقاد لغويين مؤهلين.. رفع مستوى تأهيل المترجمين بإحداث أقسام مستقلة للترجمة في التعليم النظامي في الجامعات الحكومية، وتزويدها بأحدث المناهج وبالوسائل التقنية اللازمة.. عدم الاكتفاء بوضع المصطلحات، بل نشرها وتكريسها باستعمالها في الترجمة والتأليف والتعليم والتواصل.. إحداث مختبر للترجمات الأدبية والعلمية في الجامعات السورية، وتأطير مهنة المترجم بإحداث هيئة أو نقابة للمترجمين تنظم عملهم وتضمن حقوقهم..
وفي كتاب ثالث بعنوان «دور الترجمة في التنمية الوطنية» الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب – وزارة الثقافة، والذي هو محصلة أبحاث ندوة أقيمت في مكتبة الأسد أيضاً. أبحاث هي مداخلات لمجموعة من الباحثين المهتمين بشأن الترجمة والتي اتخذت أكثر من محور.
حيث يرى الدكتور ثائر زين الدين، إن حال اللغة العربية وآدابها قد تغيرت في العصر الأموي عما كانت عليه قبل الإسلام، حيث رقّت الأساليب وقل التنافر، واتسعت أغراض الشعر خاصة، وكثرت مع اتساع مطالب الحياة الجديدة، أما لماذا تمّ ذلك في العصر الأموي؛ فلأن هذا العصر – كما تذكر الدكتورة لُبانة مشوّح- شهد أوّل حركةٍ واسعة مُنظمة للترجمة الثقافية الحضارية بين الأمم، حيث ترجم العرب حينها ب عض الكتب في الطب والكيمياء، وأنشؤوا في دمشق أوّل مكتبة عربية تضمُّ أعمالاً يونانية في الطب وعلوم أخرى، كما عرّبوا الدواوين، حيث كانت لغة الدواوين فارسية في العراق، ورومية في الشام، ثم ما لبثت الترجمة أن نشطت واتسعت أبعادها وتعددت مصادرها في العصر العباسي، فاستقدم الخليفة أبو جعفر المنصور – ثاني الخلفاء العباسيين – وفداً من علماء الهند الذين برعوا في دراسة حركات النجوم واختراع طرائق لتوقع مواعيد الكسوف والخسوف، ونظراً لضخامة الأعمال المطلوب ترجمتها من الفارسية والسنسكريتية واليونانية؛ أنشأ المنصور مكتبة ملكية، وأوجد هيكلية إدارية ومالية لسد حاجات «جيش العلماء» المكلفين بالترجمة ثم بالبناء عليها إبداعاً أصيلاً، ديوان الترجمة هذا الذي أحدثه المنصور ووسعه الرشيد ونمّاه لتصل حركة الترجمة أوجها زمن الخليفة المأمون، وهو ما بات يُعرف بـ «بيت الحكمة». وفي هذا السياق،يذكر زين الدين ثلاثة أدوار للترجمة وثلاث طبقات من المترجمين منهم: يحيى بن البطريق، جلايس بن جبرائيل، عبد الله بن المُقفع، يوحنا بن ماسويه، وسلاّم الأبرش، الحجاج بن مطر، قسطا بن لوقا البعلبكي، عبد المسيح بن ناعمة الحمصي، وحنين بن إسحاق، وثابت بن قرّة، وحبيش بن الحسن، وسنان بن ثابت بن قرة.. ولم تكن الترجمة في الأدوار الثلاثة عن لغة واحدة، بل تمّ نقل عيون الكتب عن اليونانية، والفارسية، والهندية والقبطية واللاتينية، والنبطية والسريانية، والعبرية. وهو ما يؤكده الدكتور جمال شحيّد في مُساهمة كبار الكتاب في الترجمة مثل ابن المُقفع الذي ترجم كتاب «كليلة ودمنة» من الفارسية للفيلسوف الهندي بيدبا، وشارل بودلير ترجم «مبدأ الشعر» لإدغار آلان بو، وستيفان مالاميه ترجم له قصيدته الطويلة «الغراب» وبفضل هاتين الترجمتين صار الشاعر الأمريكي معروفاً في فرنسا، وأثّر في الحساسية الشعرية الجديدة التي أعقبت الرومانسية، وترجم مارسيل بروست مُعظم أعمال الناقد الإنكليزي جون روسكين، وكذلك ترجم إيف بونفوا مُعظم مسرحيات شكسبير، وعلق في بعض مقالاته على الطريقة الأنسب لترجمة المسرحي الإنكليزي العظيم، وترجم فرح أنطون عدداً من الكتب الأدبية الفرنسية مثل «بول وفيرجيني» و«الكوخ الهندي» لرناردان دي سان بيير و«أتالا» لشاتوبريان، وترجم خليل مطران عدداً من مسرحيات شكسبير، وكذلك ترجم طه حسين «روح التربية» لغوستاف لوبون و«نظام الأثينيين» لأرسطو ومجموعة من مسرحيات سوفوكليس، و«زاديغ» لفولتير، و«أوديب وليسوس» لأندريه جيد، وترجم يوسف الخال «نشيد الإنشاد» وترجم جبرا إبراهيم جبرا لعدد كبير من الكتاب الأوروبيين بينهم صاموئيل بيكيت ولافونتين واوسكار وايلد وفولكنر، وتعد ترجمته سبع مسرحيات لشكسبير أجمل ترجمة للعربية، وكذلك ترجم أدونيس ست مسرحيات لجورج شحادة ومسرحيتين لراسين، كما ترجم عدة دواوين لسان جون بيرس جُمعت في جزأين ومجموعة مختارة من قصائد بونفوا وترجم إلى الفرنسية «لزوميات» أبي العلاء المعري، وكتاب «المواكب» لجبران خليل جبران، وترجم ممدوح عدوان «تقرير إلى غريكو» لكازنتزاكي و«الرحلة إلى الشرق» لهيرمان هيسه، و«النار في المرة القادمة» لجيمس بالدوين، و«الإلياذة» لهوميروس، وكذلك ترجم حافظ إبراهيم رواية «البؤساء» لفيكتور هيغو.. أي إن الكتاب العرب الكبار لم يأنفوا من الترجمة كمل يفعل صغار الكتبة اليوم، ولم يبخسوها حقها في التنوير والتثقيف بل عدوها عملاً متمماً للكتابة، فاختاروا الأدباء الغربيين الذين أحبوهم.
وفي هذا السياق؛ يذكر حسام الدين خضور اهتمام وزارة الثقافة السورية منذ نشوئها بهذه المهنة الإبداعية، فأصدرت كتابين مترجمين من أصل ثمانية كتب نشرتها سنة تأسيسها 1960م، وأخذت ترتفع أعداد الكتب المترجمة حتى بلغت سنة 2011م ستة وستين كتاباً، واليوم فقد بلغ عدد الكتب المترجمة في وزارة الثقافة 532 كتاباً في الآداب العالمية في الرواية والقصة والشعر والمسرح، و594 كتاباً دراسات مختلفة في العلوم الإنسانية، و22 كتاباً في السيرة، و190 كتاباً دراسات نقدية إضافة لـ 256 كتاباً في سلسلة الفن السابع، و14 كتاباً في سلسلة الخيال العلمي.
ورغم ذلك؛ يُشير هيثم الحافظ إلى تدني عدد القراء في مجتمعاتنا العربية بشكلٍ مُعيب، فهناك كتاب يصدر لكل 12 ألف مواطن، بينما هناك كتاب لكل 500 إنكليزي، ولكل 900 ألماني، ولم تختلف الأرقام المرعبة بين الكتاب المترجم والكتاب المؤلف، فعدد الكتب المترجمة في الوطن العربي يساوي خُمس ما يترجم في اليونان، حيث تترجم اليونان نحو 30 مليون صفحة سنوياً، والحصيلة الكلية لما ترجم إلى العربية منذ عصر المأمون إلى العصر الحالي 10000 كتاب، وهي تساوي ما تترجمه إسبانيا في سنة واحدة.

علي الراعي

تشرين

شاهد أيضاً

ماهو لغز سرقة فيلا الفنانة “غادة عبد الرازق”؟

شام تايمز – متابعة تمكّنت الأجهزة الأمنية في مصر من كشف غموض وملابسات سرقة فيلا …