شام تايمز- متابعة
حرصت دولة الإمارات على توظيف التقنيات الحديثة وتمكين الابتكار للتغلب على تحديات القطاع الزراعي، وتبنت، منذ عقود، فكرة استقطاب المراكز البحثية العالمية والإقليمية إلى الدولة لاستثمار المعرفة والابتكار والبحث العلمي التي لديها سعياً إلى إيجاد حلول للتحديات التي تواجه الزراعة ومشاكل التربة في الدولة، وابتكار أساليب حديثة في مجال الاستخدام الأمثل للمياه في المجال الزراعي، وتطوير سلالات زراعية قادرة على التكيف مع الظروف البيئية والمناخية الصعبة.
يأتي ذلك إيماناً من دولة الإمارات الراسخ بالأهمية الكبرى لملف الأمن الغذائي بوصفه ركناً أساسياً من أركان الخطط التنموية، والعمل على تسخير أحدث الأساليب العلمية والتكنولوجية للنهوض بالزراعة في الدولة وزيادة إنتاجية المحاصيل.
وتعددت المراكز البحثية الإقليمية والدولية التي تتخذ من دولة الإمارات العربية المتحدة مقراً لها، وهو ما يؤكد اهتمام القيادة الرشيدة باستقطاب أفضل البرامج الدولية والحلول الزراعية التي تعزز منظومة البحث والتطوير والابتكار الزراعي لما تمثله هذه المنظومة من ركيزة استراتيجية تحقق مستهدفات الإمارات من أجل مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة، كما رسخت مكانة دولة الإمارات كحاضنة للبحوث والمراكز الدولية والإقليمية لضمان تقديم أفضل الممارسات الدولية لدول المنطقة والعالم والنهوض بالبحوث النوعية والتطبيقية لتعزيز الإنتاج المحلي.
ويسلط التقرير التالي الضوء على أبرز هذه المراكز، وذلك انسجاماً مع المبادرات الرامية إلى ترسيخ ثقافة الاهتمام بالقطاع الزراعي بما يتماشى مع مستهدفات البرنامج الوطني “ازرع الإمارات”، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، حيث يضم البرنامج مبادرات عدة تدعم توجهات دولة الإمارات للتنمية الزراعية وتعزيز معدلات الأمن الغذائي الوطني المستدام.
ويستهدف البرنامج الوطني “ازرع الإمارات” تشجيع المجتمع المحلي على الإنتاج الذاتي المنزلي لأهم المنتجات الزراعية، وتوسيع الرقعة الخضراء في الدولة ودعم جهود الحفاظ على البيئة، وترسيخ صورة ذهنية إيجابية عن المنتج المحلّي ذي القيمة الغذائية العالية، كما يدعم البرنامج “عام الاستدامة 2024″، ويُعزز منظومة الاستدامة البيئية عبر المساهمة الفعالة للمنتجات المحلية في خفض البصمة الكربونية كمنتجات طازجة.
وتأسس المركز الدولي للزراعة الملحية “إكبا” في عام 1999 ويتخذ من دبي مقراً له، وقد نجح منذ تأسيسه في ترسيخ مكانته على مر الأعوام مركزاً عالمياً للتميز وشريكاً في البحث من أجل التنمية في مناطق مختلفة، حيث وفر المركز أفضل ممارسات الزراعات الملحية التي طورها خبراؤه وقدمها لأكثر من 30 ألف مزارع.
وتتعاون وزارة التغير المناخي والبيئة مع “إكبا” والشركاء الاستراتيجيين في القطاعين الحكومي والخاص، لتعزيز قدرات البحث والتطوير والابتكار لتحفيز وتيرة العمل المناخي، واستكشاف حلول جديدة تدعم تعزيز الأمن الغذائي.
ويركز “إكبا” على تطوير حلول مصممة خصيصاً للبيئات الهامشية ويعمل مع شركاء في أكثر من 50 بلداً، ما يمكنه من الاستفادة من مجموعة واسعة ومتنوعة من الخبرات لتحقيق تأثير أكبر على أرض الواقع، وقد ظهرت ثمرات جهوده في تطوير الزراعة الملحية وزيادة إنتاجية المحاصيل والتغلب على تحديات الزراعة من حيث نوعية التربة ووفرة المياه الأمر الذي يحقق توجهات الدولة في استدامة الزراعة وتحقيق الأمن الغذائي والمائي.
ويمتلك المركز مجموعة من القدرات الهائلة فيما يتعلق بالبحوث الزراعية التي استطاعت تحقيق العديد من النجاحات على مستوى إنبات وزراعة العديد من المحاصيل وتعزيز الإنتاجية الزراعية واستدامتها في البيئات المالحة والهامشية، كما يعمل على نقل تجاربه الناجحة والمعرفة التي لديه للمزارعين المحليين في الدولة من أجل الارتقاء بإنتاجية عدد من المحاصيل الاستراتيجية، والمساهمة بذلك في تعزيز الأمن الغذائي للدولة فضلاً عن تقديمه العديد من البرامج التدريبية والورش التثقيفية التي تقام في هذا الإطار بهدف التعريف بالمحاصيل الذكية مناخياً.
ويحتضن المركز “بنك الجينات” الذي يحتوي على 16 ألفاً من أصناف المحاصيل المتحملة للحرارة والملوحة والجفاف.
كما ينفذ “إكبا” أبحاث الذرة الرفيعة والدخن اللؤلؤي منذ العام 2000، حيث اختبر العلماء المئات من مدخلات الذرة الرفيعة والدخن اللؤلؤي في العديد من دول العالم. ويقوم المركز داخل نموذج مزرعة الدخن بعرض سلسلة قيمة الدخن بأكملها بدءاً من البذور ووصولاً للاستهلاك.
وبلغ إجمالي حجم استثمارات الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي في المشاريع القائمة وقيد التأسيس في دولة الإمارات نحو 1.55 مليار دولار، كما قامت الهيئة بالتعاون مع مستثمرين من القطاع الخاص بالعمل على بلورة مشروعات زراعية في مجال الزراعة المائية في دولة الإمارات.
وتعد الهيئة العربية للاستثمار والإنماء الزراعي مؤسسة مالية عربية مستقلة ومكتبها الإقليمي في دبي وتساهم فيها 22 دولة عربية، تم تأسيسها في عام 1976 وتهدف إلى تعزيز الأمن الغذائي العربي بالمساهمة في تأسيس مشروعات الإنتاج النباتي والحيواني والتصنيع الغذائي والخدمات الأخرى المرتبطة بالأنشطة الزراعية وذلك بالشراكة مع القطاعين العام والخاص.
وتمثل الإمارات أحد أهم الشركاء الاستراتيجيين لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “الفاو”، وفي مايو الماضي أعلنت هيئة أبوظبي للزراعة والسلامة الغذائية إطلاق مؤشر الأمن الحيوي المتكامل (IBI) بالتعاون مع منظمة “الفاو”، والذي يقيس مستوى الأمن الحيوي في مجالات صحة النبات والحيوان وسلامة الغذاء والبيئة بشكل متكامل.
ويُعد المؤشر الأول من نوعه على مستوى العالم، ويغطي جميع جوانب الأمن الحيوي المتصلة بصحة الحيوان والنبات وسلامة الغذاء والبيئة، وتم بناء المؤشر بتسلسل هرمي يتضمن 6 مبادئ و25 معياراً و128 مؤشراً فرعياً، ويؤكد تطوير هذا المؤشر التزام دولة الإمارات بتعزيز الأمن الغذائي على المستويين الوطني والعالمي.
وتأسس مكتب المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة “إيكاردا” في دولة الإمارات العربية المتحدة في عام 1995.
وتتعاون وزارة التغير المناخي والبيئة ومركز “إيكاردا” في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية من خلال دعم الأبحاث ذات الصلة وتعزيز تبادل الخبرات وأفضل الممارسات والتكنولوجيات التي تخدم تطور قطاعات الزراعة والثروة الحيوانية، حيث اتفق الطرفان على تعزيز خدمات الإرشاد الزراعي بالعمل مع المزارع القيادية لنقل المعرفة والتكنولوجيات الحديثة في مجال زراعة الأعلاف، ودراسة لإنتاج الأعلاف باستخدام النظم الزراعية المغلقة والتقنيات الحديثة، وتبادل الخبرات والمعلومات والدراسات وأفضل الممارسات الحديثة في مجال الأعلاف.
ويعد “مختبر زراعة الأنسجة النباتية” في منطقة الفوعة بمدينة العين والتابع لجامعة الإمارات من أكبر المختبرات إقليمياً وعالمياً لإكثار النخيل تجارياً، وذلك بهدف تحقيق التنمية الزراعية بشكل عام ورعاية النخيل بشكل خاص لما له من قيمة غذائية عالية وقيمة تراثية وحضارية في دولة الإمارات.
وكان المختبر الذي ينتج فسائل النخيل بطريقة زراعة الأنسجة قد تأسس بتوجيهات من المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان “طيب الله ثراه”، حيث تم إنشاء مركز ومختبر زراعة الأنسجة النباتية في العام 1989، وفي عام 1993 أنشئ مبنى جديد بمواصفات حديثة وبأجهزة متطورة ومتكاملة وبسعة كافية لإنتاج مئات الألوف من شتلات النخيل.
وينتج المختبر ما بين 40 و50 ألف شتلة سنوياً يتم تسويقها من خلال قسم التسويق وعن طريق موقع الجامعة والمعارض الدولية والمحلية ويتم تصدير هذه الفسائل إلى عدة دول.
كما يعد مركز الشيخ خليفة للتقانات الحيوية والهندسة الوراثية بجامعة الإمارات الذي افتتح عام 2014 من أهم المراكز البحثية على مستوى المنطقة والعالم التي تطبق استراتيجية بحثية في دراسة النباتات الصحراوية خاصة في بيئة الإمارات لتوليد المعرفة العلمية وبالتالي مواجهة التحديات العالمية في قضية الأمن الغذائي وممارسة الزراعة المستدامة من خلال بحوث الجينوم والهندسة الوراثية، والابتكار في التقانات الحيوية.
ويقوم المركز بتعديل وإضافة جينات مختلفة للمحاصيل الزراعية لتحسين السلالات النباتية ذات الأهمية الاقتصادية من خلال تنفيذ الخطط والبرامج والأفكار والبحوث العلمية الزراعية، كما عمل المركز على دراسة 10 أنواع من الميكروبات النافعة في البيئة الإماراتية واستطاع تطوير هذه الميكروبات والتي تؤدي إلى زيادة الإنتاج الزراعي بواقع 40% كما أثبتت التجارب الحقلية.
ويعمل المركز على استراتيجية طويلة المدى لإنتاج نباتات “أكثر ذكاء” ليتمتع النبات بصفات مختلفة مثل عدم حاجتها إلى المبيدات وذات وفرة وممكنة اقتصادياً، وتساهم في تقليل التلوث البيئي.
وخلال هذا العام تم افتتاح مبنى جامعة الذيد وهي مؤسسة علمية عربية غير ربحية متخصصة في مجالات الزراعة والبيئة والغذاء والثروة الحيوانية، مدعومة بمجموعة من المرافق والمشروعات التي ستعينها على أداء رسالتها العلمية وتحقيق أهدافها، مثل: مزرعة القمح، ومشروع سبع سنابل، ومزرعة الخضراوات، ومزرعة الألبان، وبنك البذور، وغيرها من المرافق والمراكز والمختبرات والمشروعات.
وتضم الجامعة العديد من التخصصات ومنها قسم العلوم الاقتصادية والاجتماعية الزراعية ويتخصص في الدراسات والأبحاث الخاصة بالتوزيع والتسويق، وقسم الأراضي الزراعية وهو يدرس أنواع الأراضي وصلاحيتها ومصادر المياه وغيرها، وقسم علوم الأغذية والذي يختص ببحوث مصانع المنتجات الغذائية والحيوانية.