شام تايمز – متابعة
هنالك العديد من الروايات التي قد تُحدث جدلاً عند ملامستها قضايا عن الدين أو السياسة أو الجنس (التابوهات الثلاثة) إلا أن بعض الكتّاب يجدون أنه لا بد من تناول جزئيات من هذه التابوهات بأسلوب مدروس سليم يخلو من الإساءات، وينقل للقارئ رسالة إنسانية ما، وهنا لدينا ثلاثة آراء حرّة عن رواية (ميثاق النساء) التي أحدثت حالة إشكالية بمضامينها إذ عرضت فيها الكثير عن طائفة (الموحِّدين) في عينصورة في لبنان وهذا ما قد يكون أحدث إشكالاً حولها.
تحاول حنين الصّايغ، حسب رأي الأديبة وجدان أبو محمود، في روايتها «ميثاق النّساء» الانفتاح على العوالم الاجتماعيّة المغلقة شديدة التديّن، وهدم التّابوهات بتفعيل أدواتها التنقيبيّة، بغية أرشفة الخبيء والمستتر، وتعرية الخوف الموروث في تلك البيئات الحريصة على دفن الأسئلة وحصار التّفلّت من المسلّمات وبرمجة التقاليد، لتبدو تخريجاتها الفنيّة_ غير البريئة من التّرميزات_ محض توارٍ في الحدث الظّاهر اليوميّ، كما تسرد حكايتها المهجوسة بالحبّ والحريّة بلغةٍ بسيطةٍ، طعّمتها بالدّارجة المحليّة في الحوارات، وبمنولوجاتٍ تؤكّد مسار التداعي والتّشظّي.
تعزف الصّايغ على تلك الأرجحة بين الوضوح الفضّاح والدّلالة المضمرة، وتفخّخ الكتلة الرّوائيّة بنقاط إشعالٍ متباعدةٍ، ولربّما جنحت إلى المباشرة ونسخ الواقعيّ على حساب الاشتغالات الفنيّة وتلك الحداثيّة الإبداعيّة في طريقها الحماسيّ إلى تفكيك الإنسان بتشريح محيطه، وإلى تقشير طبقاته الرّوحيّة وصولاً إلى ذلك الجوهر المشعّ.
أما الكاتب أوس أحمد أسعد فيرى أنها رواية المهمَّش والمسكوت عنه، تتصدّى بهدوء وجرأة للذهنية السلفية الأصولية المسيطرة، التي تتسلق بأعرافها الأفعوانية زوايا وشقوق وجدران أرواحنا لتزيدها مع الزمن تصدعاً وتفتتاً وانهياراً، التي هي أشد وطأة على النساء بطبيعة الحال، فلهن منها حصة الأسد من حيث التهميش والتبعية والإقصاء، بما تجرعنه تاريخياً من مرارات وغصص تفيض بها كأسها المذهبة التي تدسّ السّمّ في العسل كما يقال، تلك الأعراف -وقد أخذت مع الزمن صفة التأبيد والقداسة- التي تحاصر العقل وتسجنه ضمن أقبيتها الضيقة، وقوالبها الجامدة، ليستقيل من مهمته في إنتاج المعرفة والسؤال، ثم ليتحول تدريجياً إلى عقل استنساخي مستهلِك للأفكار المحنّطة والأجوبة الجاهزة، كلّ ذلك تقوم بتعريته وفضحه الكاتبة اللبنانية “حنين الصايغ” من خلال عين لاقطة ذكيّة، وعدسة كاميرا عموديّة الرّؤية، كما يرى أن الكاتبة تتقن التصويب على مواطن السواد، بسرد رشيق ماتع ذي نَفَس درامي شاعريّ، يطرح وجهات نظر معرفيّة تحررية مهمّة، كما يدعو إلى فكفكة هادئة لمسننات الموروث، وبراغيه الصدئة.
تقول الصحفية لمى بدران إن كاتبة هذ الرواية وضعت يدها على الجرح الذي يحدث في البيئة التي يكون فيها الدين هو سيّد الكلمة والآباء قساة وغاضبون، وتصل إلى عمق توضّح فيه أن هناك رابطاً غير مرئي بين امرأة وأخرى، وترى أننا نستطيع القول -وعلى عكس ما يقال حول هذا الكتاب- إن هذه الكاتبة لم تشكّل حالة جدليّة أو إشكاليّة في هذا الكتاب حين تحدّثت بوضوح عن مفاهيم وإسقاطات الدين عند (الموحِّدين) في عينصورة لبنان، وعن ومعاناة المرأة في المجتمع، بل أجادت نقلها لنا برسائل وجدانية بسيطة وعميقة تبثّها بفطنة بين الأحداث، محدّدةً الزمان والمكان وبمشهديّة عالية، وملامسة بجرأة الهموم والآلام الواقعية لأغلب النساء، وتعتقد أن هناك أموراً أخرى أكثر وجعاً أرادت أن تحكيها أكثر وتحفّظت عنها، ربّما لأسبابٍ يعاني منها كُلُّ الكتّـاب الجريئين.
وفي رأي آخر وجدت المترجمة رنيم الجنّـان أن نص الكاتبة يعالج التحديات النفسية والاجتماعية التي تواجه النساء، مستخدمة أسلوباً شعرياً يعزز من العمق العاطفي للتجربة النسائية، فتعكس التراكيب اللغوية القوية الصراعات الداخلية للشخصيات، مع تركيز على الهويات المتشابكة بين الحرية والقمع، كما أن العمل يتميّز بقوّة السرد والتعبير، إلا أنّ الطابع الرمزي أحياناً قد يضع حاجزاً أمام بعض القرّاء -علماً أنه مشروع من الناحية الإبداعية وأعني بذلك (الغموض الشفيف)- ما يجعل الرواية تتطلّب قراءة متأنّية، وكذلك هناك توازن بين الأصوات النسائيّة المتعدّدة في النص، إضافة إلى أن السرد المتدفق يعزّز من القدرة على استيعاب التطورات العاطفية، مشيرة إلى أن الكاتبة استخدمت الأساطير العالمية بشكل ذكي لتوسيع دائرة الفهم حول التحديات التي تواجه النساء، ما يعكس الطبيعة الزمنية والمستمرة لهذه التحديات.
كاستحضار الأسطورة اليونانية “برسيفوني” المرتبطة بالخطف والقيود التي تفرضها الظروف الخارجية، وهو ما يشبه الصراع الداخلي والخارجي للمرأة مع القيود الاجتماعية.