بعد ازدياد الاستقالات.. “حلم” الوظيفة الحكومية يتحول إلى “كابوس”.. وخبير يؤكد: بيئة العمل دافع رئيسي للاستقالة

شام تايمز – ديما مصلح

تحول حلم الكثيرين بالانتساب إلى الوظيفة في القطاع العام أو الحكومي اليوم إلى كابوس مع تراجع القوة الشرائية، حيث بدأنا نلاحظ انسحاب أو استقالة المئات من الموظفين الحكوميين الحاليين فيما يشبه “هروب جماعي”، فالغالبية العظمى أصبحوا يفكّرون في الاستقالة ومنهم من حسم قراره، على اعتبار أن احتياجات العائلة في الشهر باتت تتطلب 7 أضعاف الراتب الشهري، وتأتي الاستقالات بشكل أساسي بغرض البحث عن فرصة عمل توازي ما تحتاجه العائلة، بحسب مراقبين.

“محمد. ن” موظف في قطاع الموارد المائية أكد لـ “شام تايمز” أن راتبه لم يعد يكفيه لدفع إيجار منزله، وأن الوظيفة “كانت نعمة وأصبحت نقمة”، فيما اعتبرت “أم الحسن” موظفة في قطاع التربية أن الراتب لم يعد يكفي لشراء الخبز، وكلفة المواصلات من المنزل إلى العمل.

وأكد مصدر خاص لـ “شام تايمز” أنه خلال 10 أيام من فتح باب الاستقالة في محافظة دمشق تقدم ما يقارب من 200 موظف باستقالتهم، وزادت المخاوف من انتشار هذه الظاهرة بالنسبة لمحدودي الدخل، لافتاً إلى أن رواتب الموظفين الحكوميين في سورية يبلغ نحو 100 ألف ليرة وسطياً، والسقف الأعلى للرواتب بالنسبة لموظف من الفئة الأولى 150 ألف ليرة، بينما أجرة قطاف الفواكه 25 ألف ليرة في اليوم الواحد إذا ما قارنا الوظيفة الحكومية بالأعمال اليومية الخاصة، وبات الصمود بالنسبة للموظف الحكومي هشاً أمام صعوبات الحياة اليومية، والتي لا يمكن لأحد إغفالها أو التغاضي عنها، ما يشكل صعوبةً بالحصول على امتيازات تدفع بعجلة الموظف للأمام، دون وجود حلول حقيقية لأصحاب الدخل المحدود.

الخبير في إدارة المخاطر “ماهر سنجر” أكد لـ “شام تايمز” أن موضوع الربح والخسارة نسبي فعلياً، والاستقالة بغاية الانتقال من قطاع العام للالتحاق بالقطاع الخاص يختلف أثارها مقارنةً بالاستقالة بغية الهجرة، فالدوران الوظيفي من قطاع لأخر يتوجب أن يدرس بشكل جيد لتقدير أثاره، ولمعالجة الأسباب فهو يرتبط بشكل أو بأخر بحجم الاستقالات وبالفئات الوظيفية وندرة التخصصات الوظيفية، وحجم التدريب المقدم وتوقيت الاستقالة لبعض القطاعات الموسمية، ومدى استراتيجية القطاع الذي تمت الاستقالات منه، لافتاً إلى أن الأثار ترتبط بخسارة التخصصات والخبرات النادرة، إضافةً إلى ارتفاع التكاليف المالية للمؤسسات نتيجة لارتفاع كلف استقطاب موظفين جدد وتدريبهم وخسارة للوقت وحجم الإنتاجية.

وأوضح “سنجر” أن أسباب الاستقالة تختلف بشكل أو بأخر فمنها ما يرتبط بالموظف ومنها ما يرتبط ببيئة العمل، فإن كان العمل غير مناسب كبيئة بكل أبعادها المادية والمعنوية والإدارية يشكل ذلك دافعاً رئيسياً للاستقالة، كما أن الاحتراق الوظيفي إضافةً لعدوى الانتقال لبعض العاملين يدفع بهم للاستقالة، وذلك نظراً لعدم كفاءة وفاعلية قسم الموارد البشرية في المؤسسات واقتصاره على الشؤون الذاتية، مضيفاً أن الطفرات الاقتصادية الناتجة عن الأزمات سببها الاستقالات، فالأزمات تخلق حالة من التضخم يزيد معها الضغط الاجتماعي على العاملين ومحدودي الدخل لترفع من معدل الاستقالات بغاية الانتقال لمكان أخر دخله يتناسب مع حجم ضغوط التضخم، متابعاً أن الطفرات الاقتصادية قد ترفع من معدل الاستقالات، كما في طفرات التحول الرقمي لبعض الدول وما نتج عن الطفرة الاقتصادية التي أحدثتها جائحة “كورونا” والتي تسببت بخسائر كبيرة لأرباب العمل نتج عنها تقليل بعدد العمالة أو قبول استقالات العاملين.

وعن الطرق للحد من هذه الظاهرة، أكد الخبير “سنجر” أنه يتوجب دراسة بيئة العمل في المؤسسات ذات الاستقالات المرتفعة وتصحيح هذه البيئة وخاصةً جانب التواصل الوظيفي ومراجعة القوانين والقرارات المتعلقة بالاستقالة، وإعادة النظر بفاعلية قسم الموارد البشرية بكثير من المؤسسات مطلوبة لتفعيله وفقاً لأفضل الممارسات، حيث تعتبر التشاركية أحد الحلول لكونها تشترط المحافظة على العنصر البشري، لافتاً إلى حلول ترضي الطرفين حيث أنه من غير المناسب النظر إلى المؤسسة والعاملين فيها على أنهم طرفين بل يجب التعامل على أنهم فريق واحد لتحقيق الأهداف المشتركة، واتباع المنهجيات التي تحقق التوازن بين العاملين والمؤسسات والتي يمكن أن تقدم حلول مرضية نوعاً ما وتُحسن من بيئة العمل وتجنب المؤسسات حالات انقطاع الأعمال الناتجة عن الدوران الوظيفي المرتفع.

وتابع الخبير في إدارة المخاطر أنه يتوجب إعادة النظر بآليات عمل الموارد البشرية في المؤسسات وتفعليها بالطريقة المثلى ليتم الانتقال لتطبيق مفهوم إدارة المخاطر واستمرارية الأعمال في المؤسسات الحكومية، ومن ثم الاهتمام بمفهوم رفع المنحنى التعليمي للعاملين من خلال تفعيل عملية التدريب للجميع لتجنب حالات عدم العدالة الوظيفية والاستفادة الشخصية من أشخاص معينين، ومع تعديل القوانين الناظمة لساعات العمل بغية تقليل الفجوة بين المتطلبات الاجتماعية وحجم الراتب الممنوح للموظف، إضافةً إلى النظر بحوكمة المؤسسات بموجب منهجيات الحوكمة التي تعتبر العامل شريك بكافة التفاصيل وأن مدراء هذه المؤسسات مسؤولون عن نجاح ومتابعة أعمالها ويقيمون وفقاً لنتائج هذه المؤسسات وحجم المعوقات التي تواجهها كموضوع العدد المرتفع للاستقالات والنظر بإعادة دراسة القوانين، بحيث يسمح بتخفيض ساعات أو أيام العمل وفقاً لظروف المؤسسات والظروف الاقتصادية العامة، مرجحاً أن موضوع منح مزايا غير مباشرة للموظف أحد الحلول السريعة لحين تطبيق الحلول طويلة الأجل، حيث أنه من الحلول بدلات ثابتة مضافة للراتب غير خاضعة للضريبة ولو أخذت صفة التكرار، وتطبيق نظام الحوافز الذي صدر ورفع قيم التأمين الصحي الممنوح وتوسيع التغطية التأمينية للعاملين وزيادة معدلات وموازنة التدريب للعاملين.

وللتخفيف من “البطالة المقنعة”، يرى “سنجر” أن مشكلة البطالة المقنعة هي آليات استقطاب العاملين والتوظيف فالبطالة المقنعة نتيجة وليست سبب، والحل هو بتخطيط سليم من قبل أقسام الموارد البشرية للحاجة الفعلية للمؤسسات، وعدم التركيز بالتخطيط فقط على الدور الاجتماعي، ويمكن تعويض الدور الاجتماعي للمؤسسات بمناحي أخرى غير الاستقطاب.

ومنذ بداية العام الجاري، بلغ عدد الموظفين الذين استقالوا في محافظة القنيطرة 300 موظف، وفي محافظة السويداء بلغ عددهم 400 موظف، ومثلها في اللاذقية، ويرى بعض المراقبين أن “مسلسل الاستقالات لم ينته والحبل على الجرار، وهذا سيؤدي في نهاية المطاف إلى إفراغ المؤسسات من كوادرها العمالية”.

وفي عام 2011 كان راتب الموظف الحكومي يقارب 12 ألف ليرة وكان يكفي الاحتياجات العائلية، وكان هذا الراتب حلم للكثيرين، واليوم تكثر التساؤلات حول هذه الاستقالات أهي خطة حكومية لإلغاء “البطالة المقنعة” ضمن مؤسساتها لرفع أجور الموظفين ليستفيد منها ما تبقى من موظفي القطاع العام الذي ينعش المؤسسة أم أن هناك أسباب أخرى؟.

شاهد أيضاً

لبنان.. استشهاد شخصين في غارة لطيران العدو الإسرائيلي المسير

شام تايمز – متابعة استشهد شخصان في غارة شنتها مسيرة إسرائيلية معادية، واستهدفت سيارة على …