مواقف “داون تاون” دمشق التجارية.. مشروع “حضاري” في واقع “عشوائي”

شام تايمز – كلير عكاوي

“فوق الموتة عصّة قبر” جملة قالها مواطن عندما وجد سيارته “مُكلبشة” بعد عودته من عمله، بسبب عدم قطعه تذكرة الركون في المواقف الطرقية المأجورة التي وضعتها محافظة دمشق مؤخراً، والسبب أنه انتظر كثيراً لكن موظف قطع التذاكر لم يكن في مدى نظره، بحث عنه ولم يجده فتوجه إلى عمله، وعندما علم أن ثمن ذهابه إلى عمله صارت كلفتهُ أكبر من مرتبه، بين أجار الـ “Parking” والمصروف اليومي، خارج إطار الترفيه.

وبطبيعة الحال عملية “الاعتقال” المؤقت للسيارة ليست بالشيء العظيم، وتنتهي مع دفع المعلوم في “داون تاون” العاصمة الذي سعّرته محافظة دمشق بـ 500 ليرة سورية للساعة الواحدة، أي تخيّل عزيزي القارئ أنك بـ 3000 ليرة سورية تستطيع أن تشتري 6 ساعات من الوقت، وأن تستأجر مكاناً في أفخم شوارع العاصمة وأغلاها لعدة ساعات يومياً إذا كنت من موظفي وسط المدينة، فما بالك لو كان بإمكانك أن تشتري “الوقت دائماً”.

لكن استثمار الزمن والجغرافيا في آن معاً يتناسى ظروف كثيرين، على اعتبار أن نسبة كبيرة من زوار العاصمة القادمين من الأرياف القريبة والبعيدة هم موظفي القطاع الخاص والعام، وآخرين من كبار السن الذين ما زالوا يناضلون لاستقلال سياراتهم في سبيل الوصول إلى أعمالهم، ناهيك عن موظفي المكاتب والشركات والأطباء والمحامين ومكاتب الصرافة وغيرها.

وبحسب المسؤولين عن الآلية الجديدة، فهي مطبّقة على الوسط التجاري في العاصمة، وتحاول فرض حالة تنظيمية، لنرى أن أماكن “الركن” المأجورة شبه خالية، فيما تزدحم السيّارات على الرتلين الثاني والثالث في عدّة مناطق، أي كأن شيئاً لم يحصل ولا تجاوزات قد انتهت، بل على العكس تماماً، “الفساد الإيجابي” عاد ليضرب من جديد، “والتمريق عـ أبو جنب” و”على عينك يا قانون”.

مدير هندسة المرور في محافظة دمشق “ياسر بستوني” أكد لـ “شام تايمز” أن الهدف من مشروع المواقف الطرقية المأجورة هو تنظيم وقوف السيارات وفتح مجالات لعدد أكبر منها للوقوف على شوارع المحافظة، ويتوجّه المشروع إلى الأشخاص الذين يركنون سيارتهم ما يقارب الـ 10 ساعات في الشوارع الرئيسية، مضيفاً: “هذا المشروع غير موجّه للمواطن الموظف أو الذي يضع سيارته أمام منزله، إنّما للأشخاص التي لها ورقة حكومية من مديرية معينة أو أخرى تتبضّع من الأسواق وتترك سيّارتها لساعات طويلة”.

ويبدو أن المواطن السوري أصبح أمام مجموعة من الخيارات شبه “القاتلة” للوصول إلى مكان عمله، إما أن يدفع الستة إلى عشرة آلاف ليرة سورية أجرة تكسي روحة “بلا رجعة”، أو أن يدخل “غينيس” على أنه أول شخص يستطيع القفز ويركب السرفيس، أو أن يركن سيارته في شوارع دمشق الرئيسية ويدفع 5000 ليرة، أجرة الوقوف تسع ساعات “مومحرزة”.

وعن حال الموظف “المعتر” الذي يضطر أن يركن سيارته لـ 6 إلى 9 ساعات، أشار “بستوني” إلى أن هناك شوارع وحارات فرعية مجّانية لم يتم تحديدها، قائلاً: “لم نأخذ سوى الشارع الرئيسي في منطقة الشعلان، وشارع الحمرة، وشارع العابد”.

ونفى “بستوني” أي ارتباط بين مشروع المواقف الطرقية المأجورة وقضية شح المحروقات في البلاد، مبيّناً أن السائق يدور ثلاث أو أربع “لفّات” ويخسر الـ 1000 ليرة ليعثر على مكان لوقوف سيارته.

وعن تفاوت أسعار المواقف بين المحافظات أوضح “بستوني” أن العاصمة دمشق مزدحمة بسكّانها وطرقاتها، ويرفدها الكثير من المواطنين من جميع المحافظات لهدف ما، لافتاً إلى أنه من غير الممكن أن تنخفض أجرة الوقوف في دمشق من 500 إلى 100 ليرة سورية مثل حال المواقف في حمص، لأن المواطن سيتهاون في الوقوف اليوم بأكمله، وبالتالي سيزداد عدد السيارات، بحسب تعبيره.

وعندما قدّمت “شام تايمز” وجهة نظرها بناءً على شكاوى المواطنين ومشاهداتها للسيد “بستوني”، أبدى تعاونه وتلقينا اتصالاً من مدير العمليات في شركة الخدمات المنفّذة لمشروع “الصفّات” المأجورة السيد “عبد الله الفاخوري” الذي أبدى تعاونه أيضاً ورحّب بسلسلة من الأفكار التي قدّمناها ووعد بدراستها ومنها:

–  وضع خريطة تظهر أماكن الركن المأجور، والمناطق التي لم تدخل في نطاق الاستثمار.

–  تطبيق نظام شرائح أو اشتراكات ساعية على أن تراعي أصحاب العمل الطويل، والذين يضّطرون للركن لمدة تتجاوز 4 ساعات وتصل إلى ثمانية ساعات، على أن يكون هناك فارق سعري مغري، يدفع المواطنين للالتزام “بالصفّات” المحدّدة وعدم التجاوز والركن في أرتال محاذية.

–  اقترحنا أيضاً، ألا تكون تسعيرة الركن في الشارع العام، مثل الشوارع الفرعية والجانبية.

–  دعونا الشركة أيضاً إلى تطبيق نظام اشتراكات شهري للموظفين، ونوضح هنا أن هذا الاشتراك لا يحدد مكاناً واحداً لركن الشخص الواحد، وإنّما الحاصل على البطاقة الشهرية، يمكنه الركن في أي مكان مخصص آخر، وهذا الأسلوب مطبّق في العديد من الدول الأخرى.

–  نضيف أيضاً اقتراحاً آخر، بأن يكون هناك عروض خاصة لموظّفي القطاع الخاص والعام على حد سواء، لاسيما موظفي المؤسسات الإعلامية والعسكريين وأصحاب المهن التي تتطلب حركة مستمرة.

ولا ننكر كصحفيين ومتابعين لأمور الشأن العام في “شام تايمز”، أن الهدف الأساسي لمثل هذه القرارات هي تحسين الصورة البصرية لمدينة “الخدمات”، ولكن هذا لا يعني عدم وجود تأمين بدائل للمواطنين القاطنين في الأسواق، علماً أن سورية لا يوجد فيها منطقة تجارية خالية من السكان، أو الأخذ بعين الاعتبار الأشخاص الوافدين من الأرياف خصوصاً كبار السن، والسؤال يكمن في كيف يركنون سياراتهم في شارع 29  أيار لكي يمشوا “عالعكازة” إلى مقر محافظة دمشق للحصول على ورقة معينة؟ علماً أن شارع 29 أيار هو الشارع غير المأجور في محيط المحافظة “حتى الآن”.

يشار إلى أنه سبق وعملت المحافظة على مشروع مدته خمس سنوات، وهو عبارة عن آلة قديمة تقطع التذاكر في شارع الحمراء والحريقة وغيرها، فيما وردت إلى شام تايمز “سلة” من الشكاوى حول هذا المشروع ونحن في انتظار حلول بديلة، والاستجابة للمقترحات المقدمة.

شاهد أيضاً

“الاقتصاد” تحدد أصناف الأقمشة المصنرة المصنعة محلياً

شام تايمز – متابعة أصدرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية التعليمات المتعلقة بتحديد أصناف الأقمشة المُصنرة …