الشريط الإخباري

الملف الكيميائي السوري.. أبرز عُقد الحرب وأكثرها تحريضاً

شام تايمز – حيدر مصطفى

تعددت أساليب ممارسة الضغوط على الدولة السورية، وسعت الدول الغربية وأدواتها على الأرض إلى توريطها بقضايا قد تأخذ مفاعيل عديدة، ويمكن من خلالها استخدام وسائل الإعلام كسلاح فعال في التحريض وتأليب الرأي العام السوري والعربي والعالمي ضد الدولة السورية.

وكان ملف استخدام السلاح الكيميائي أحد أبرز الذرائع الملفقة بحسب العديد من التقارير، والذي استخدم لشيطنة الحكومة السورية، وتدويل الأزمة منذ سنواتها الأولى، وكانت البداية مع تلفيق اتهامات للجيش السوري باستخدام أسلحة كيميائية في قصف الغوطة الشرقية في 21 آب 2013، وأيضاً في حمص، فيما غض العالم النظر عن جريمة الإرهابيين بخان العسل في آذار 2013 والتي ألصقت التهمة بارتكابها للدولة السورية.

الملف الكيميائي منذ ذلك الحين كان من أعقد الملف، وأكثرها حضوراً في المحافل الدولية للتحشيد ضد الدولة السورية، واتهامها بارتكاب جرائم الحرب، وغض العالم النظر عن أن سورية من الدول التي انضمت عام 1968، إلى بروتوكول جنيف لعام 1925 الخاص بحظر الاستعمال الحربي للغازات الخانقة أو السامة أو غيرها من الغازات، وتبعه لاحقاً بعد أحداث 2013 إبداء الدولة السورية استعدادها وتعاونها لتدمير سلاحها الكيميائي والتخلص منه بإشراف الأمم المتحدة.

وسجلت الدولة السورية بادرة حسن نية في أيلول 2013، وانضمت إلى اتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية (انضمت رسميا في 14 أكتوبر)، ووافقت على تدمير أسلحتها، على أن تشرف عليها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، وفقا لما تنص عليه الاتفاقية، وأنشئت بعثة مشتركة بين منظمة حظر الأسلحة الكيميائية والأمم المتحدة للإشراف على عملية التدمير والتي أنجزت مهامها بحلول آب 2014.

ورغم التدمير الذي حصل والمبادرة السورية، إلا أن هجمات أخرى حصلت خلال سنوات الحرب اللاحقة، أبرزها مزاعم استهداف بلدة خان شيخون بريف إدلب في نيسان 2017، وصال العالم وجال بها، ملفقاً اتهامات جديدة للدولة السورية على الرغم من توضيح الأخيرة وتصريحات الرئيس الأسد والحليف الروسي التي تؤكد وبالمعطيات عدم مصداقية الادعاء باستخدام غازات كيميائية في هجمات على خان شيخون.

وكان الرئيس الأسد قد صرح آنذاك في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، متهماً الغرب والولايات المتحدة بالتواطؤ مع الإرهابيين الذين قاموا بفبركة قصة الكيميائي في خان شيخون لشن الهجوم ضد سورية.

وجاء في نص المقابلة حرفياً عن لسان الرئيس الأسد:

كما تعرف فإن خان شيخون تحت سيطرة “جبهة النصرة” وهي فرع من القاعدة.. وبالتالي فإن المعلومات الوحيدة التي بحوزة العالم حتى هذه اللحظة هي ما نشره فرع القاعدة.. ليس لدى أحد أي معلومات أخرى. لا نعرف ما إذا كانت كل الصور أو الفيديوهات التي رأيناها صحيحة أو مفبركة.. ولهذا طلبنا إجراء تحقيق فيما حدث في خان شيخون.. هذا أولا.. ثانيا فإن مصادر القاعدة قالت.. إن الهجوم حدث بين الساعة السادسة والسادسة والنصف صباحا بينما وقع الهجوم السوري على نفس المنطقة حوالي الساعة 11:30 إلى 12 ظهرا.. وبالتالي فإنهم يتحدثون عن روايتين أو حدثين لم يصدر أي أمر بشن أي هجوم.. كما أننا لا نمتلك أي أسلحة كيميائية.. حيث تخلينا عن ترسانتنا قبل بضع سنوات.. وحتى لو كان لدينا مثل تلك الأسلحة فإننا ما كنا لنستخدمها ونحن لم نستخدم ترسانتنا الكيميائية أبداً في تاريخنا.

ولم تفلح الضغوط الدولية آنذاك في استصدار أي قرار أو تقديم أي إثبات لإدانة الدولة السورية، لكن الملف لم يغلق ولم تنته مفاعيله عند ذلك، بل تبعه تنفيذ اعتداء أمريكي على قاعدة الشعيرات الجوية في حمص، نفذته مدمرات تابعة للبحرية الأميركية في شرق البحر المتوسط في الساعات الأولى من يوم 7 نيسان 2017 بـ 59 صاروخًا موجهًا من طراز توماهوك، وبأمر من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.

وتسبب الاستهداف الأمريكي بتقديم دعم مباشر لتنظيم الدولة الإسلامية الإرهابي (داعش) الذي استغل الهجوم وتداعياته، ونفذ عدة هجمات على دفاعات الجيش السوري في تدمير، وهاجم أيضاً نقاط الحماية في محيط قرية الفرقلس ودارت معارك عنيفة تمكنت قوات الجيش فيها من صد هجمات الإرهابيين.

وبقي الملف على طاولة التجاذب إلى أن حصل هجوم مزعوم آخر في دوما بالغوطة الشرقية بنيسان عام 2018، وحصد ضخماً إعلامياً عربياً وغربياً في توقيت عالي الحساسية من عمر الأزمة السورية، وكان الهدف منه بحسب المراقبين التشويش على إنجازات الدولة السورية وحلفائها في تحرير النسبة الأكبر من الأراضي، وإنجاز عدد كبير من المصالحات، وسحب الأضواء من انتصارات الجيش السوري على الأرض.

وعلى إثر الواقعة المزعومة، أرسلت منظمة حظر الأسلحة الكيميائي فريقاً لتقصي الحقائق إلى مدينة دوما، والذي خلص إلى تقارير مشبوهة تزعم استخدام مادة كيميائية سامة تحتوي على الكلور في الهجوم المزعوم، وهو ما رفضته الخارجية السورية بشكل مطلق، وقالت الوزارة في بيان إن تقرير البعثة لم يأتِ مختلفا عن التقارير السابقة التي كانت تحفل بالتحريف الفاضح للحقائق.

وما زاد من حدة الفضيحة، تصريحات جاءت بعد أشهر لريام دالاتي مصور بي بي سي، الذي قال إن “المشهد الذي صور داخل مستشفى دوما السورية كان مجرد مسرحية، حتى يحقق أكبر قدر ممكن من التأثير مشيرا إلى أنه لم يسقط ضحايا ولم يستخدم غاز السارين”.

ونقلت إذاعة الصين الدولية عن ريام دالاتي قوله في تغريدات على حسابه في تويتر، إشارته أن أحد الأشخاص الثلاثة أو الأربعة الذين صوروا تلك المشاهد المسرحية هو الطبيب المدعو أبوبكر حنان، واصفا إياه بأنه “عنيف ومراوغ” ومرتبط بتنظيم “جيش الإسلام” الذي كان يسيطر على المدينة حتى تم تحريرها من قبل القوات السورية في ربيع 2018.

وأكد أن دولة واحدة في حلف الناتو على الأقل، إلى جانب روسيا، كانت على دراية بما حصل في المستشفى، مضيفا أن موسكو ركزت على نفي صحة المشاهد من المستشفى، فيما لم يعلم أحد ما حدث في المبنى السكني الذي قيل إن الهجوم وقع قربه، باستثناء “النشطاء الذين تلاعبوا بالمشهد” هناك، وبحسب دالاتي فإن تقرير بي بي سي المصور، شكل ذريعة لشن الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا ليلة 14 أبريل/نيسان عام 2018 سلسلة من الضربات الصاروخية الجوية على أهداف تابعة للجيش السوري.

من جهتها أكدت موسكو منذ البداية أن الهجوم مفبرك، وقال مركز المصالحة الروسي إن أطباءه زاروا موقع الهجوم المزعوم بعد يومين من الإعلان عنه، ولم يعثروا لدى السكان هناك على أي أثر للمواد السامة التي تحدث عنها أصحاب المسرحية.

وبعد الهجوم، دعت روسيا 17 سورياً من المنطقة التي تعرضت للهجوم، وممن شوهدوا بين “المصابين” إلى مؤتمر صحفي عقدته منظمة حظر الكيميائي في لاهاي للإدلاء بشهادتهم، وأكدوا جميعا بطلان مزاعم الهجوم.

وحتى هذا التاريخ ما يزال الملف الكيميائي السوري المزعوم على طاولة التجاذبات، وسط محاولات حثيثة لتفعيل تلك المزاعم كأورق ضغط على الدولة السورية، لدفعها نحو تقديم تنازلات سياسية واقتصادية، مقابل موجة عاتية من العقوبات الغربية التي تستهدف الشعب السوري بذريعة معاقبة الحكومة على ممارسات ملفقة ومسرحيات هزلية كان عرابها بحسب عشرات التقارير منظمة الخوذ البيضاء الإرهابية، والجماعات المسلحة التي كانت تعمل تحت إمرة الغربيين في مناطق مختلفة من البلاد.

شاهد أيضاً

انطلاق الانتخابات البرلمانية في كاتالونيا

شام تايمز – متابعة انطلقت في إقليم كاتالونيا، اليوم الأحد، عملية التصويت لانتخاب 135 نائباً …