الجولان المحتل.. خمسة عقود على نهب الإرث والتاريخ والتزوير

شام تايمز – مارلين خرفان

لم تنجح محاولات الكيان الصهيوني منذ احتلاله الجولان العربي السوري في حزيران 1967 في إيجاد ما يثبت صحة مزاعمه بأي وجود له على هذه الأرض، ومنذ الأشهر الأولى للاحتلال أجرت سلطات الكيان عمليات مسح أثري وتنقيب في مسعى منها لتزوير الحقائق التاريخية ونهب الآثار السورية وسرقتها وبيعها، وسعت ما تسمى “سلطة الآثار” ومؤسسات صهيونية مختلفة لتشويه وتزوير تاريخ وآثار الجولان.

الكنعانيون والآراميون سكانه الأصليين:
الباحث والمختص في التاريخ القديم الدكتور “ابراهيم خلايلة” أكد لـ “شام تايمز” أن الإنسان السوري سكن الجولان منذ عصور ما قبل التاريخ، ويعتبر الكنعانيون والآراميون سكان الجولان الأصليين في العصور القديمة، وهم من أعطى الجولان اسمه المشتق من الجذر الكنعاني – والآرامي – (ج- و- ل)، وهو جذر لغوي عربي أيضاً من معانيه “جال” و”دار” و”طاف”، ومن مشتقاته “الجُولان” بمعنى التراب الذي تجول به الريح، وقد ورد اسم الجولان في العصور الكلاسيكية بصيغة “جولانيتيس”.
احتل الصهاينة الجولان عام 1967 بموجب مخططات المنظمة الصهيونية العالمية منذ بدايات القرن العشرين، وفي عام 1950 نفّذ الاحتلال مشروع تجفيف بحيرة الحولة، فقام بمصادرة الأراضي من أصحابها وطردهم منها، وكل ذلك من أجل “جعل سورية بلا حدود آمنة” حسب ما صرّح بذلك مسؤولو الكيان الإسرائيلي.

لا أدلة على ادعاء الصهاينة:
ولفت “خلايلة” إلى مشروع قانون ضم الجولان الذي صوّت “الكنيست” الإسرائيلي عليه بتاريخ 14/12/1981، ورفضه سكان الجولان وقاوموه، وورد في مادته الأولى ما يلي.. “يسري قانون الدولة وقضاؤها وإدارتها على منطقة الجولان”.
وجاء في خطاب “مناحيم بيغن” لدى تقديمه لمشروع القانون ما يلي.. “لن نجد في بلدنا أو خارجه رجلاً جادّاً درس تاريخ أرض (إسرائيل) في وسعه أن يحاول إنكار أن هضبة الجولان كانت على مر أجيال كثيرة جزءاً لا يتجزّأ من أرض (إسرائيل) مضيفاً.. أن “السوريين رفضوا يدنا الممدودة، منكرين إنكاراً تاماً حقنا في الوجود كدولة يهودية”.

وأوضح “خلايلة” أن ما يؤمن به “بيغن” تدحضه المعطيات التاريخية والأثرية والكتابية في المنطقة، حيث لا أدلّة على الأرض لأي ادّعاء بملكية الصهاينة لأي شبر من أرض فلسطين والجولان، الأمر الذي تؤكده المعطيات الأثرية والتاريخية، لذا عمدت سلطات الاحتلال إلى العبث بتلك المعطيات في إطار مشروعها التهويدي.

تغيير معالم وإزالة قرى بأكملها:
نفّذ الصهاينة بعد احتلال الجولان عام 1967 مخطط ضم الجولان بإقامة المستوطنات وجلب المستوطنين اليهود ليحلّوا محل السوريين بالقوة مما أدّى إلى خسارتهم لبيوتهم وأراضيهم ونزوحهم من الجولان، واستمرت هذه العملية الاستيطانية بشكل أوسع بعد حرب تشرين 1973 لتتخذ المستوطنات شكلاً عسكرياً دفاعياً باعتبار الخسائر الكبيرة التي تكبّدها الصهاينة في الحرب في جبهة الجولان على يد الجيش العربي السوري.

وبيّن الباحث أن الكيان الصهيوني بدأ بتغيير معالم المنطقة المحتلة استكمالاً لمخططه، وذلك بتدمير المساجد والكنائس والمدارس والمؤسسات، كما عمد إلى إزالة قرى بأكملها منها “جبّاتا الزيت” و”المنصورة” و”الحميدية” و”الغسانية” و”العدنانية” و”الجويزة” و”الرفيد” و”فيق” و”خسفين” و”كفر حارب” وغيرها، كما تعرضت مدينة القنيطرة أيضاً للتدمير الكامل.

وبحسب “خلايلة”، استبيحت أرض الجولان السوري المحتل بعد احتلاله عام 1967، وعمدت سلطة الآثار الإسرائيلية بالتعاون مع جيش الاحتلال بقيادة “موشي دايان” و”ييجال يادين” وكبار الحاخامات الصهاينة إلى إجراء مسوحات شاملة للمواقع الأثرية في الجولان، مستندين إلى ما ورد في كتاب التوراة، وخاصةً في “أسفار التثنية، أخبار الأيام، أشعياء، يوشع”، حول ذكر اسم الجولان في البلاد المسماة “باشان”.

تزوير وسرقة:
ولم تقدّم التحريات والتنقيبات أي دليل على وجود للعبرانيين في الجولان السوري، لذا لجأ الصهاينة إلى التلفيق والتزوير، فتم ذلك من خلال تنقيبات مواقع “خربة الدالية” و”الدردارة” و”دير العزيز” و”رجم الهري” و”بانياس” و”الحمة” و”فيق” و”خسفين” و”تل القاضي” أو مدينة “لايش” الكنعانية القديمة، حيث تعرض هذا الموقع إلى دس قطع أثرية مزورة لإثبات وجود يهودي فيه، إلا أن المحاولة فشلت، حيث دسّ الإسرائيليون نقشاً مزوّراً في تل القاضي وادّعوا أنه آرامي يذكر “إسرائيل” و”داود”! وقد كشف زيف هذا النقش المؤرخ السوري الدكتور “محمد بهجت قبيسي”، بالتعاون مع المؤرخ واللغوي السوري الدكتور “محمد علي مادون”، وكذلك أشار إلى هذا التزوير الاسرائيلي الآثاري والمؤرخ الأميركي المناهض للصهيونية “توماس تومسون”.
] وأضاف الباحث أن سلطات الاحتلال غيّرت اسم مدينة “لايش” الكنعانية في الجولان، وأطلقت عليها اسماً توراتياً هو “دان”، كما وطلبت هذه السلطات تسجيل المدينة في لائحة التراث العالمي باسم “دان” على أنها “إسرائيلية”، علماً أن كتاب التوراة نفسه يؤكد كنعانية مدينة “لايش” وأن هذا الاسم هو اسمها الأصلي، كما يشير كتاب التوراة إلى سكان “لايش” الكنعانيين.

وكلما عثر الصهاينة في الجولان على بناء أثري له مخطط مستطيل الشكل، يدّعون أنه كنيس يهودي، أو مدرسة يهودية قديمة!، مستندين إلى بعض معطيات كتاب التوراة التي تم تفسيرها بشكل خاطئ، فمخططات بناء المعابد المذكورة في كتاب التوراة، إنما تشير إلى أصول كنعانية بحتة، بحسب “خلايلة”.

ويتجاوز عدد المواقع الأثرية المسجلة في الجولان المحتل 200 موقع، قام الكيان المحتل بسرقة آثارها وأشهرها “الحمة” و”بانياس” و”فيق” و”العال” و”كفر حارب” و”دير قارح” و”الكرسي” التي زارها السيد “المسيح”، وهناك قرية “الياقوصة” الغنية بالمكتشفات الأثرية، والتي جرت فيها معركة اليرموك، وقد عمدت سلطات الاحتلال إلى سرقة آثار متنوعة من مدينة القنيطرة المحررة، وعرّضت الكثير من آثار الجولان للتلف، من خلال استخدامها للآليات الضخمة في تجريف الأراضي، بالإضافة إلى سرقة العديد من مكتشفات القلاع والحصون المنتشرة في جبال الجولان المحتل.

دعم مؤسساتي لنشاط لا شرعي:
وتدعم عدة مؤسسات وجمعيات النشاط الصهيوني اللاشرعي في المواقع الأثرية السورية في الجولان المحتل، مثل “الجمعية الإسرائيلية للحفاظ على الطبيعة” و”مؤسسة التذكير بالحضارة اليهودية في نيويورك” والجامعة العبرية في القدس المحتلة ووزارة الحرب الصهيونية و”مديرية البحث الإسرائيلي في حركة الكيبوتس” و”المجلس الوطني للأبحاث” واستكشاف فلسطين في لندن، صندوق “ليونارد وكاثرين وولي”.. وغيرها الكثير في الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأميركية.

وأشار “خلايلة” إلى أن سلطات الاحتلال هدمت وخربت المواقع الأثرية السورية في الجولان، وذلك ببناء مواقع عسكرية، باستخدام أحجار المواقع الأثرية السورية هناك، وفق الممارسات اللاقانونية ضد مواقع الجولان الأثرية، وتم تدمير معظم الآثار السورية في الجولان المحتل أو الاستيلاء عليها في إطار عمليات طمس الهوية السورية القديمة، وتهويد معطيات الحضارة السورية في الجولان وتغيير أسماء المدن والقرى السورية المحتلة، وعلى سبيل المثال، فقد بنى المستوطنون الصهاينة مستوطنة “كتسارين” في قرية “قصرين” في الجولان، وأنشأوا فيها متحفاً لعرض اللقى الأثرية السورية بعد الاستيلاء عليها، وغالباً ما تقام معارض لهذه الآثار السورية في العالم مع ادّعاء أنها “إسرائيلية”.

وقال الباحث.. “مما يؤسف له، لا يوجد أي قرار أممي دولي يخص ما تعرضت له آثار الجولان السوري المحتل على أيدي الإسرائيليين، علماً أن المادة 56 من معاهدة لاهاي (29-تموز-1899) المتصلة بقوانين وأعراف الحرب على اليابسة، قد نصت على منع مصادرة أو تخريب المنشآت والمؤسسات الدينية والخيرية والتربوية والملكية الفنية والعلمية والنصب والمباني التاريخية وجعلتها مادة خاضعة للادعاءات القضائية، كما نصت على عدم جواز أعمال النهب”.

وفي 5- 12- 1956، تبنت اليونسكو توصية أثناء دورتها الثامنة عشرة التي عقدت في نيودلهي، تناولت المبادئ الدولية الواجب تطبيقها على الحفريات الأثرية، فقد جاء في البند 6 من المادة 32 أن على السلطة المحتلِّة أن تمتنع عن القيام بالحفريات للآثار في أراضي دولة أخرى، وإذا عُثر على اكتشافات بالصدفة فعلى السلطة المحتلة أن تحمي هذه الاكتشافات وتسلمها إلى السلطات المختصة للأراضي التي كانت تحتلها، وذلك فور انتهاء الأعمال القتالية.

كما ورد في اتفاقية لاهاي لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح في (14-5-1954) المادة الرابعة، احترام الممتلكات الثقافية.. “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة باحترام الممتلكات الثقافية الكائنة سواء في أراضيها أو أراضي الأطراف السامية المتعاقدة الأخرى، وذلك بامتناعها عن استعمال هذه الممتلكات أو الوسائل المخصصة لحمايتها أو الأماكن المجاورة لها مباشرة لأغراض قد تعرضها للتدمير أو التلف في حالة النزاع المسلح، وبامتناعها عن أي عمل عدائي إزاءها”.

وورد أيضاً في المادة الرابعة.. “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بتحريم أية سرقة أو نهب أو تبديد للممتلكات الثقافية، ووقايتها من هذه الأعمال ووقفها عند اللزوم مهما كانت أساليبها، وبالمثل تحريم أي عمل تخريبي موجه ضد هذه الممتلكات، كما تتعهد بعدم الاستيلاء على ممتلكات ثقافية منقولة كائنة في أراضي أي طرف سام متعاقد أيضاً”، كما “تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بالامتناع عن أي تدابير انتقامية تمس الممتلكات الثقافية”.

جدير بالذكر أن الكيان الصهيوني لا يلتزم بتلك الاتفاقيات الدولية، بل ويقوم بإرسال لوائح بأسماء قرى فلسطينية، وأخرى سورية تقع في الجولان، إلى الأمم المتحدة لتسجيلها على أنها مواقع تراث “إسرائيلي”.

شاهد أيضاً

المقاومة العراقية تستهدف العدو الإسرائيلي في الأراضي المحتلة

شام تايمز – متابعة أعلنت المقاومة العراقية، أمس الجمعة، استهداف موقع للعدو الإسرائيلي في الأراضي …