يجب إعادة النظر بواقعنا الرياضي والانتهاء من عصر لاعب الطفرة

شام تايمز – خاص:

كشفت المشاركات السورية في الدورات الأولمبية والقارية والدولية الماضية عن حقائق كثيرة لعل أهمها أن بلوغ منصة التتويج لم يعد أمراً سهلاً وأن الرياضة باتت صناعة ونتاج حضارة وأن القاعدة والمال والإدارة لم تعد كافية وحدها للوصول إلى منصة التتويج.
إن عدد السكان مهما زاد أو قلّ لم يعد أمراً حاسماً لفرض الإيقاع المنافس في الأولمبياد وكذلك المال رغم أهميته وضرورة توفره للصرف على إعداد اللاعبين واللاعبات فالقاعدة مهمة وهي التي تعني عدد الممارسين للرياضة من العدد الكلي للسكان وأعمارهم إضافة إلى تاريخهم الفسيولوجي والبيوميكانيكي وإذا ما توفرت هذه إضافة إلى المال اللازم لتوفير الأجهزة والأدوات والصرف على البرامج التدريبية الداخلية والخارجية وتأهيل المدربين إذا ما توفر هذا مع الإدارة الرياضية ذات المهنية والحرفية العالية يمكن لرياضتنا أن تبدأ السير في الاتجاه الصحيح الموصل إلى الأولمبياد والبطولات العالمية أما إذا بقي الحال على ما هو عليه فإننا لو أحضرنا خبراء العالم كله لن ينجحوا في تحقيق حلم المنافسة في الألعاب الأولمبية والدولية وسبب ذلك يعود بالدرجة الأولى إلى عدم إتباع الأساليب العلمية التي تتبعها الدول المتقدمة في عالم الرياضة عند اختيار لاعبيها وعند المباشرة في صناعة أبطالها الرياضيين باعتماد الدراسات الفسيولوجية والبيولوجية وإجراء البحوث ذات العلاقة عند الفئات الناشئة صغيرة العمر باعتبارهم الفئة المستهدفة لصناعة أبطال المستقبل.
ورغم تحقيق بعض فرقنا ومنتخباتنا ولاعبينا لإنجاز هنا أو هناك على المستويين العربي والآسيوي أحياناً إلا إن ذلك يعد في سياق الطفرات وهذا ما يفسر تذبذب المستويات الفنية والبدنية لفرقنا ومنتخباتنا ولاعبينا في كثير من المناسبات الأمر الذي يشير بوضوح أن اختيار العناصر في الأصل لم يكن نتاج الدراسة والبحث العلمي الرامي لصناعة أبطال في الرياضة فالاعتماد على الطفرات لا يؤسس لإستراتيجية بناء الرياضة السورية التي سيبقى الوصول إلى منصة تتويج الأولمبياد حلماً يليه حلم تتناقله الأجيال إن لم نباشر باختيار العناصر على أسس علمية ليتم تدريبها في سياق خطة إعداد بدنية وفنية وثقافية شاملة للاعبينا ولاعباتنا ليكونوا بحق في مستوى المنافسة الأولمبية وهذا يستدعي بالضرورة المباشرة فوراً في تنفيذ الخطط والبرامج الخاصة بتطوير الرياضة المحلية وسط شراكة حقيقية وأصيلة مع بقية المؤسسات والدوائر.
تطوير أداء الاتحادات
إن مهمات الاتحادات الرياضية وواجباتها يجب أن تتعدى التقاط اللاعبين واللاعبات المتميزين لضمها إلى صفوف المنتخبات الوطنية وتعتبر أن ذلك يشكل إنجازها الوحيد الذي يسجل لها فمنذ سنوات طويلة والاتحادات الرياضية أسيرة لخطط وبرامج متشابهة إلى حد كبير حيث تضع الخطط السنوية التي هي في الأصل غير قابلة للقياس جراء تغييب الدراسات البحثية التي يجب أن تكون من صلب عملها من خلال الاستعانة بالباحثين المتخصصين في كل لعبة على حدة وهم كثر .
من هنا فإنه من المهم أن تسعى هذه الاتحادات إلى إيجاد هيئة ما تتولى مهمة البحث والقياس العلمي للخطط المتراكمة وذلك لمعرفة مدى التقدم والإنجاز على أرض الواقع كما ينبغي أن تشكل الاتحادات الرياضية فرقاً من (الكشافين) في مختلف المناطق والمحافظات تتولى مهمة التقاط الموهوبين الصغار ورعايتهم خاصة إذا ما علمنا أن ما هو موجود أصلاً من لاعبين متميزين حالياً سواء في الألعاب الفردية أو الجماعية ليسوا هم الأفضل على مستوى الوطن.
الاحتراف بين الاستثمار والتطوير
إن الاحتراف في الرياضة يلزمه بالدرجة الأولى وجود رأي وطني عام يتقبل فكرة الاحتراف باعتباره مهنة ومسؤولية وطنية كما يلزمه توفير البنى التحتية اللازمة للأندية من ملاعب ومنشآت رياضية وقبل هذا وذاك يلزمه تشريعات ونظم تعزز الاستثمار في الاحتراف كما هو الحال في الدول التي سبقتنا في تطبيق الاحتراف التي أصبح فيها الاحتراف استثماراً في الوقت الذي مازلنا نرى في الاحتراف بوابة لتطوير رياضتنا وبين هذا وذاك تبرز المحاذير والمخاوف التي يجب أخذها بالاعتبار ولهذا من المهم بل من الضرورة القصوى أن تسعى كافة الجهات ذات العلاقة بالمشهد الرياضي إلى إيجاد السبل الكفيلة بتطوير مستوى الأداء الفني والبدني للرياضة المحلية أولاً ومن ثم الانتقال إلى تطبيق الاحتراف الذي سيصبح استثماراً يدفع بالعجلة الرياضية خطوات أخرى إلى الأمام وعلينا أن نعترف أن المستوى العام للرياضة السورية لم يصل بعد إلى حد الاحتراف المهني نظراً لعدم توفر الشروط السابق ذكرها.
آن الأوان
يجب البدء والمباشرة الآن بترتيب البيت الداخلي لرياضتنا من خلال تجميع كافة القوى المحركة للمشهد الرياضي بدءً من الاتحاد الرياضي العام الذي يقع عليه مسؤوليات كبيرة في هذا الاتجاه ومروراً بالأندية والمراكز والأسرة فصناعة البطل الأولمبي الذي تسعى إليه كافة دول العالم يحتاج إلى الاستعانة بعلماء التشريح والفسيولوجيا كما يحتاج إلى مقومات جسمية وعصبية وفكرية يتم الكشف عنها مبكراً وهو نتاج حضارة متكاملة وعناية حثيثة منذ الصغر وهذا ما كشفت عنه التجربة الصينية التي أبدع لاعبوها ولاعباتها في اولمبياد بكين 2008 حين نجحوا في تصدر الترتيب العام للسجل الذهبي حيث تمّ الكشف عن كيف نجحت الصين في صناعة هؤلاء الأبطال الذين تمّ تحضيرهم وإعدادهم منذ (8) سنوات ليكونوا أبطالاً في اولمبياد 2008.
صناعة الأبطال
هناك إمكانية حقيقية لصناعة أبطال أولمبيين إذا ما تمّ توفير مدربين مؤهلين علمياً لإجراء عملية مسح واختبارات ميدانية لما يزيد عن نصف مليون طالب وطالبة واستثمار وقتهم خارج الدوام المدرسي الذي لا يتعدى في أغلب الأحيان ال 190يوماً في العام الواحد ودخول القطاع الخاص على هذا الخط من خلال تشجيعه ودعمه فعلينا أن نعترف بأن الرياضة يجب أن لا تكون مظهراً عاماً وشكلاً يزين ويجمل المشهد الوطني العام فقط بل يجب أن تصبح الرياضة مظهراً حضارياً وجزءً أساسياً من الهوية الثقافية الوطنية وهذا يستدعي بالضرورة المباشرة بتنفيذ خطة تضمن نشر الوعي الشعبي بأهمية الرياضة من خلال توسيع قاعدة الممارسين الفعليين للرياضة التنافسية وليس الترفيهية التي لا توصلنا إلى صناعة الأبطال.
إذا ما أردنا أن نضمن مستقبلاً مشرقاً لرياضتنا لتكون قادرة على فرض إيقاعها على كافة المستويات فيجب إعادة النظر بواقعنا الرياضي والأنظمة التي تحكمه وإعادة النظر باتحادات الألعاب وإعادة تشكيلها من خلال اختيار عناصر مؤهلة علمياً وميدانياً لقيادة تجربة جديدة مستندة إلى عملية مسح شاملة وإدراك أن تشكيل مثل هكذا اتحادات لن يكون سهلاً ولكن علينا أن نبدأ اليوم قبل الغد.

شاهد أيضاً

اختتام بطولة الجمهورية لرياضة قوة الرمي

شام تايمز – متابعة اختتمت بطولة الجمهورية المفتوحة برياضة قوة الرمي للفئات العمرية تحت 8 …