قصةُ السينما المنسية في قطنا.. ذكرياتٌ وأحلامٌ محتجزة!

رئيس التحرير: حيدر مصطفى

يعبرُ المارة من أمامها يومياً، سكان المدينة وضيوفهم، يتجاهلونها وكأنها لم تكن يوماً صرحاً من صروح مدينتهم، يغضون النظر عن جدرانها التي علق عليها غبار أكثر من عشرين عاماً، حتى صار اسمها المعلق فوق بوابتها، شاحباً صدئاً وبالكاد يثبت.

تتضارب المعلومات حول تاريخ إغلاقها، الأرجح أنها أغلقت بوابتها السوداء منتصف التسعينات، واختزنت الظلام داخلها حاجبة مسرحها ودورها التنويري عن أجيال وأجيال نشأت في عصر الصعود، وانتهت احلامها ومستقبلها في زمن العودة إلى الانحطاط والتخلف، إثر الحرب على بلادنا وما تركته من تداعيات.

ترى ما هو المشهد الذي كان يعرض في داخلها طوال العقدين ونيف الماضيين، أجهزة الإسقاط فيها “إن لم تسلب منها” ماذا كانت تقدم لجمهور الأشباح خلف بوابتها ذات اللون الرمادي الشاحب التي تنتظر المطر القادم مع رياح جبل الشيخ من الشتاء إلى الشتاء.

سؤال يوضع برسم الإغلاق المجهول الأسباب والتاريخ المنسي، لصرح كان يوماً مقصداً للترفيه ومسرحاً للحرية وملجأً للهرب من محاولات سطوة التطرف، والعادات والتقاليد والعيب والحرام، متنفسٌ كُبت على أنفاسه بين ليلة وضحاها، وبقي منذ ذلك الحين رهن الإغلاق والتسكير.

يروي “أبو سومر” فائز علي، أحد سكان قطنا منذ عقود قصته مع السينما المنسية في أواخر الستينات “كنت اتابع دراستي الإعدادية ومن ثم الثانوية، في تلك الفترة كنا عند توفر النقود وبعد متابعة لوحة الإعلانات المركبة عند حلويات راس النبع في وسط المدينة، ومراقبة صور العرض القادم في لوحة الإعلانات الموجودة على جانبي مدخل السينما، كنا نتفق مجموعة من الشباب وندخلها فرحين ومسرورين، وبعد انتهاء العرض وأثناء العودة تسمع التعليقات والضحكات”.

 

يقول الرجل الستيني الذي كان شاهداً من قطنا على حروب تشرين و 67، إن تلك السينما كانت المتنفس الوحيد لحضور الأفلام، كما كانت تقام فيها حفلات مسرحية وغنائية من تنظيم اتحاد شبيبة الثورة، في المناسبات الوطنية، ويشترك فيها مجموعة من طلاب وطالبات الثانوية والإعدادية، ويؤدون فيها فقرات فكاهية وكوميدية واجتماعية ووطنية واغاني ورقصات.

لا يعلم السيد “أبو سومر” سبب إغلاق السينما وإهمالها طيلة السنوات الماضية، لكنه يرجح أن يكون دخول التلفزيون والساتالايت إلى منازل السوريين، أدى إلى تراجع عدد رواد السينما وبالتالي انخفاض الفائدة الاقتصادية من تشغيلها.

شخصياً عشت في المدينة عمراً بأكمله، مررت من أمام بوابتها آلاف المرات، ولم اتمكن من دخولها يوماً، يعتريني الفضول لمعرفة حالها من الداخل، هل يتشابه وحال مبنى “غوموس” في وسط العاصمة بيروت، مع فارق أن الأخير أغلقته الحرب الأهلية وتركته شاهداً على المعارك الطاحنة وتحولات لبنان الكبيرة والصغيرة وصولاً إلى ثورته المستمرة، للخلاص من تركة الحرب، اما المبنى الذي اتحدث عنه فلم يكن سوى شاهداً على مدينة كادت أن تمزقها الحرب وأخرجت سريعاً من دوامتها، وعلى أجيال متعاقبة تعشقت قلوبها الحسرة والحرمان.

الصرح الذي أتحدث عنه، لم يكتب عنه أحد من قبل، لم يذكر اسمه في مقال أو كتاب، ويمر ذكره خجلاً كأحد الصروح الأثرية للمدينة، في قائمة عبر ويكيبيديا ودون أي تفاصيل، لا نعرف متى تم تشييده وكم هي المدة التي اشتغل فيها، من أبرز زواره، وما هي أهم العروض التي قدمها، تاريخ منسي بأكمله وشاهدٌ مجهول كان من الممكن أن يكون علماً من أعلام المدينة، ومن أهم الصروح الثقافية في ريف دمشق.

“سينما قطنا لها نصيب كبير من ذاكرتي، ذكريات الزمن الجميل فترة التسعينات والتي كانت تقدم في ذلك الوقت بعض المسرحيات التي ينتجها ويمثلها فئة من الشباب وكانت تلاقي قبولاً جميلاً وحضورا أجمل” تقول مدير المركز الثقافي في قطنا السيدة “دارين علي عبدالله” لشام تايمز.
ترى “عبد الله” أن عودة الحياة إلى السينما، يجب أن تكون قوية، لأن غياب نحو 30 عاماً، يحتاج لإعادة زرع فكرة السينما كعامل تثقيفي وترفيهي خاصة بالنسبة للفئة العمرية التي فتحت أعينها على الحياة في فترة الأزمة وهي تعتبر جيل بأكمله وهذا الجيل لم يجد سوى البؤس والألم والفقر والحرمان.

وأكدت أن دعم الحركة الثقافية بعد فترة ركود طويلة، يتطلب إعادة تصحيح المفاهيم في عقول الجيل الناشئ، والتي خضعت لكثير من التضليل وبنفس الوقت تكون فسحة للترفيه والتواصل الاجتماعي الحقيقي فعلا، في وقت سيطرت فيه صفحات التواصل الاجتماعي الوهمي، لذا افتتاح السينما في مدينة قطنا سيكون له أصداء جميلة وسيكون له دور في إحياء الحياة الثقافية والترفيهية.

سينما أوبرا قطنا، ضحية كغيرها من ضحايا النسيان والإهمال، وحيدة يلفها الظلام في الليل والنهار، مسرحها مغيبٌ خلف ببوابة سوداء مقفلة منذ أكثر من عشرين عاماً، وبسبب ذلك تخسر المدينة صرحاً ترفيهياً وثقافياً كان من الممكن أن يستثمر ليصنع علامة فارقة في حياة مجتمعها وعلى مر العقود.

شاهد أيضاً

منتخب الجودو الوطني بلا تتويج في “بريكس”

شام تايمز – متابعة خرج لاعبا منتخبنا الوطني “سليمان الرفاعي” و “حسن بيان” دون الوصول …