بات مما لا شك فيه أنَّ ارتفاع تكاليف الحياة اليومية، وتزايد أعبائها، يشكِّلان في ظل ارتفاع كبير للأسعار، هاجساً يقضّ مضجع شرائح كبيرة من المجتمع خاصة أصحاب الدخل المحدود. إنه الهاجس نفسه الذي جعلَ التساؤل المطروح من قبل هؤلاء، يأتي في صيغ متعددة: هل هناك زيادة في الرواتب والأجور؟ أم خفض الأسعار؟ قد تكون الزيادة هي الخطوة الأهم باعتبار أن الجهات الوصائية فشلت في ضبط الأسعار والسيطرة على السوق وأصبحت مشكلة الغلاء خارج حدود المعقول لذلك قد تكون الزيادة هي الخيار الأنجع كونها تساهم نوعاً ما في تحسين مستوى المعيشة على مبدأ (بحصة تسند جرّة )؟
حقاً إنها تساؤلات مشروعة، تستدعي الارتقاء بالتفكير إلى مستوى استحقاقات المشكلة، ما يعني ضرورة تجاوز أطروحة الحلول التقليدية. لأن الفجوة بين الدخل والاستهلاك تزداد عمقاً واتساعاً وتتفاوت من حيث أهميتها النسبية، نتيجة للارتفاع الحاد في مستوى الأسعار، والناجم عن أسباب كثيرة تتعلق بسياسة سعر الصرف ورهاناتها الخاطئة، وإدارة القطع الأجنبي غير المتوازنة، كما تتعلق بـطبيعة البنية الاحتكارية المتجذرة، وغيرها..
وبلغة الاقتصاد, الجميع يعلم أن معادلة (رفع الرواتب أم خفض الأسعار) من أصعب المعادلات الاقتصادية التي تواجه الحكومة لجهة معالجة التضخم مع ثبات الدخل، فالتضخم على مرّ الزمن التهم كل الزيادات في الأجور والرواتب مباشرة لأن المتعارف عليه هو استمرار الارتفاع اليومي لكل السلع والمنتجات ما لم يكن هناك تدخل حكومي صارم ودعم واضح، وهذا ما يلزم الدولة بتوفير الخدمات الطبية والتعليمية والنقل ودعم الغذاء ويضاف لها السكن.. هذا هو المحك الأساس..!! لأنه بتضاعف الأجور من دون أن يرافقها تحسن ملموس في القدرة الشرائية للدخل نبقى كمن نسعفه بـ”إبرة بنج” وسرعان ما يعاود الدوران في حلقة لولبية مفرغة، لذلك يعد التوازن من أفضل الخيارات لأن تكلفة المعيشة تخضع لسياسات محددة.. وأنظمة يجب الالتزام بها والتوازن لابد من أن يترافق مع الرقابة والتنظيم والتوجيه والمتابعة للسوق.. غير أن السؤال المؤرق للجميع، كيفية تلافي وتآكل القيمة الشرائية للرواتب والأجور المقدرة عند إقرارها.
على أي حال، إن معالجة الاختلال الحاد بين الدخل والاستهلاك لم تعد تحتمل هدر المزيد من الوقت، ما يعني أنه لابد من تدخلٍ سياساتي وإجرائي علاجي وبجرعاتٍ عالية المستوى، من حيث التأثير والفاعلية من قبل الجهات الوصائية ..وهنا يبقى السؤال الأبرز: ما نوعية السياسات التي يمكن أن تلجأ إليها الجهات الوصائية كمدخل لتصويب المسار وتصحيح العلاقة بين الدخل والاستهلاك.. سؤال مرهون برسم الحكومة ..!؟

هناء غانم