يوماً بعد يوم؛ يتعزز لديك إحساس اللامبالاة تجاه كلّ شيء، ابتداءً من ذاتك، وأناقتك، وجمال أفكارك، والتزامك تجاه نفسك وتجاه الآخرين، مروراً بالمجتمع من حولك، وانحلال قيمه، وتخلخل أخلاقياته، وتحوُّل الأسرة إلى مُجرَّد ظلال والفرد إلى ذكرى، والتفكير بالزواج إلى معضلة، وتأمين مسكن إلى كابوس…
لا مبالاتك امتدت أيضاً إلى الاقتصاد، فلم يعد يعنيك ضعف القيمة الشرائية لراتبك، ولا تغوُّل التُّجار، وتغير أنظمة الإنتاج، والاعتماد على الاستيراد، ولن يُهمُّك بعد الآن حرائق الغابات، ومحاولات إعدام أشجار الزيتون، وحرق محاصيل القمح والقطن، وتكسُّر البيوت البلاستيكية، وزيادة الضرائب، وانتهاك الجوع لبيتك وأفراد عائلتك…
كما لم تعد تبالي بشعورك موت الثقافة عموماً، ولا «بتعتير» المسرح وفقره المُدقع وبُحّة صوت المُدافعين عنه حتى الرمق الأخير، ولا يعنيك البتّة تناقص أكسجين السينما، واستبعاد المخرجين والفنانين، وتلوُّث إضاءة شاشات الفن السابع بالجهل والصفقات الإنتاجية وعزوف الجمهور عن الحضور… ولا يمسُّك بشيء الكتاب وأزمات تسويقه، وغلاؤه أمام القارئ المضغوط اقتصادياً، ولا الموسيقى والتشكيل المُجرَّدين عنوةً من هويتهما المحلية بحجة ومن دون حجة…
وأيضاً فقدت اهتمامك بأخطاء بعض المجالس المحلية، ومعظم هفوات رؤساء البلديات وإهمال أغلب المحافظين، ولم يعد يعنيك بشيء انتخابات المخاتير، ولم تعد تبالي بالحروب الخشنة أو الناعمة على حدٍّ سواء، ولا بانتهاكات حقوق الإنسان، ولا ازدواجية المعايير في الأمم المتحدة، والأموال التي تحرك أمناءها وموظفيها من تحت الطاولة، ضاربين عرض الحائط بحريات تقرير المصير، ومحاسبة المجرمين ضد البشرية، وتصحيح أكاذيب منظمة الصحة العالمية وتقاريرها المتضاربة…
لكنك لا تعلم ما الذي يجيش في نفسك صباحاً وأنت ترتشف قهوتك مع سيجارتك «اللَّف»، بحيث أن زقزقة العصافير وحدها تُصبح قادرة على إعادتك إلى اهتمامك الأول بإصلاح الكون، والمرافعة عن مظلوميه، والطَّعن بكل الأحكام الظالمة التي تطولهم.

بديع صنيج