تجربة فنية غنية بدلالاتها الجمالية والبصرية مستوحاة من عالم المرأة ترجمها الفنان التشكيلي أنور رشيد بأعماله النحتية وإحساسه مقدماً عالماً فريداً غنياً بمفرداته وتكويناته المتناغمة الممزوجة برائحة الجغرافيا والمكان والتوازن والمحاكاة بين كتله الصلبة وفراغاتها ورشاقتها وانسيابها.
رشيد الذي جسد بمنحوتاته نموذجاً يعكس إمكانات الجسد الأنثوي على التشكيل والتعبير عن مكنوناته الداخلية يوضح لمراسلة سانا الثقافية أنه يرى في جمال المرأة وسيلة لخلق أشكال ذات دلالات تعبيرية عاكساً رؤيته الداخلية لها وحجم الصراع القائم بين وجودها الجمالي وهواجسها وقلقها من كيفية تعامل الآخر معها معتبراً أن المرأة في العمل الفني هي مشروع كل فنان تشكيلي أو مبدع.
رشيد الذي يعشق النحت تنشأ بينه وبين منحوتاته علاقة روحية كما يلفت ما يضفي عليها قوة التكوين وحيويته ورحابة الفراغ الذي يسعى دائماً إلى تشكيله بالرغم من صعوبته لكنه يظهر في منتهى السلاسة والعذوبة.
وبين ثراء قاموسه البصري وتجلياته الفلسفية في نظرته للمرأة والتعاطي مع الحياة تتنوع لديه الخطوط والسطوح والفراغات والرموز المستخدمة وتتناغم لتصبح منحوتة متكاملة بحركات إيقاعية تحمل حساً موسيقياً حريصاً على ألا تخرج أعماله إلى النور إلا بعد أن تنضج وتخضع للكثير من القراءات والحوارات.
ورشيد اشتغل في بداياته الأسلوب الواقعي لكنه أخذ يميل إلى الأسلوب التعبيري كما يشير مشتغلاً على خامات متعددة كالبازلت والرخام وأخيراً الخشب بينما يبقى حجر البازلت هو المادة الخام الأولية لأعماله النحتية الصغيرة والكبيرة والنصبية.
أعمال نصبية عديدة شاهدة على إبداعه أنجزها رشيد توزعت على امتداد الجغرافيا السورية ومنها خارج حدود الوطن لافتاً إلى أن أهم أعماله “ذاكرة الجسد” وهي منحوتة لامرأة من الرخام الأبيض بارتفاع 320 سم في إسبانيا اشتغلها بأسلوب واقعي كلاسيكي اختصر رأسها واستبدله بحركة اليدين اللتين دلتا على الرأس بفراغ ناسب الكتلة لافتاً إلى أن وجود الرأس أكبر من أن يحدد بكتلة أو بفكرة لأنه على حد تعبيره يتكلم بلسان المرأة ومعاناتها مع المجتمع ونظرته لها مشيراً إلى أن الاختصار في بعض الأعضاء من جسد المرأة والاستعاضة عنه بما يلائم الحركة والكتلة يجعلها أكثر قوة وصلابة وتناغماً وإيقاعاً.
وعن تجربته الفنية أشار الفنان التشكيلي أسامة عماشة إلى أن التشكيلي رشيد له أعمال متفردة ومتميزة تعبر عن بيئته الخصبة المليئة بمظاهر الحياة والكشف عن مضمونها بصيغ وجدانية صادقة ومتوازنة تتردد بين الدخول إلى الواقع أو الخروج من الحلم حيث نرى في أعماله حضوراً خاصاً جميلاً للمرأة تفرد بطرح رموزها وامتلك أدواته وطوع الصخر ليعبر عن بحثه وعالمه الخاص لافتاً إلى أنه استطاع أن يقرأ طلاسم الطبيعة وأن يعبر عن قراءته بلغة تشكيلية جميلة.
بينما بين الفنان التشكيلي نضال خويص أن النحات رشيد استطاع أن يبحث ببصيرة واعية وإدراك حذق واثق عن شخصيات تشكيلاته النحتية داخل الكتل الصلبة الصماء فاستنبط تلك الحالات بكل تفاصيلها ببراعة ودون تكلف وابتذال فيطالعنا بتماثيل تفرض حالة من الاستحواذ والاستقصاء في المشاهدة والبحث في كل سطوح الكتلة عن المزيد من متعة وحلاوة التأثير الذي تفرضه صخرة البازلت لنرى أجساداً تنضح بالرشاقة الموشاة بنغم انسيابي موسيقي مصقول كنعومتها تارة وثائر متمرد في انعتاقها من صمتها تارة أخرى بملمس مختلف الإيقاع والضربات.
يشار إلى أن الفنان التشكيلي أنور رشيد من مواليد السويداء 1960 وهو خريج قسم النحت في كلية الفنون الجميلة بجامعة دمشق لعام 1983 شارك في معارض وملتقيات النحت المحلية والدولية وله مقتنيات داخل سورية وخارجها.
خزامى القنطار