عطية مسوح: تجديد مفهوم الثقافة الوطنية بالتعددية والانطلاق من مفهوم المواطنة

بدأ الباحث عطية مسوح محاضرته بقراءة قصيدة نفيسة من شعر الشاعر السوري الراحل وصفي قرنفلي كان قد نشرها عام 1953 على الرغم من أن عنوان محاضرته التي ألقاها في رابطة الخريجين الجامعيين بحمص بعنوان ” تجديد مفهوم الثقافة الوطنية”، وهي قصيدة غزل، لكنه روى لنا ما جلبت للشاعر قرنفلي تلك القصيدة من متاعب واتهام بالخيانة لمفهوم الثقافة الوطنية، واضطرار قرنفلي للدفاع عن نفسه بقصيدة أخرى.

في ظل ما سرد وضّح المحاضر أولاً أن الواقعية الاشتراكية مصطلح فكري، والثقافة الوطنية مصطلح سياسي، وأن الالتزام موقف شخصي. كما أشار إلى أن إشكاليات مضامين مصطلحات الواقعية الاشتراكية والثقافة الوطنية والالتزام هي إشكاليات نقدية لا إشكاليات أدبية وهي نابعة من علاقة النّقاد بالإيديولوجيا والسياسة، لا من علاقة الأدب بذات الأديب أو بالمجتمع وقضاياه. وفي ضوء ذلك يقول المحاضر إن ” الثقافة الوطنية ” مصطلح سياسي، وقد عنى به مستخدموه في أواسط القرن العشرين الثقافة المناهضة للاستعمار ومشاريعه وثقافته في وطننا.

وأشار المحاضر إلى أن الدلالات الإضافية التي ضيّقت مفهوم الثقافة الوطنية التي وضعها منظرو الواقعية الاشتراكية والقوميون، وضعت الكثير من الإبداعات الوطنية خارجها، لكن التضييق الأخطر يتمثّل بما سعت إليه السلطات العربية والمثقفين المرتبطين بها إلى ربطه بتوجهات هذه السلطة وسياساتها، لدرجة إطلاق صفة الوطنية على الثقافة المؤيدة وحجبها عن الثقافة غير المؤيدة، وهذا في رأي المحاضر ناجم عن ارتباط الثقافة بالسياسة، وتغليب النزعة الإيديولوجية على الروح الثقافية والفكرية.

ثم أشار المحاضر إلى التناقض الموجود بين الثقافة والسياسة كأمر واقع وموضوعي، وإلى إمكانية الوصول إلى صيغ ملائمة لدفع هذا التناقض إلى مسارات بناءة. ولذلك مضى إلى تلمس وجوهه المختلفة وقد سماها بـ التناقض الأساسي، والتناقض العملي، والتناقض الإضافي. الأول يتعلق بطبيعة كل من الثقافة والسياسة، ففي السياسة نزوع إلى ضبط الحركة في المجتمع، وقوننتها وتوجيهها، وفيها ميل  إلى الاستقرار. ومقابل ذلك تنزع الثقافة إلى التمرد والحرية، إلى الخروج على القواعد وتجاوز الأطر. والسياسة بطبيعتها أيضاً مشدودة إلى الأحادية، وتسعى لتحقيقها، أما الثقافة فتقوم على التنوع والتعدد. التناقض العملي، يتعلق بأساليب عمل كل من السياسة والثقافة. فالسياسة ذات نزوع تكتيكي، والثقافة ذات نزوع استراتيجي. أي أن السياسة وفق أحد تعريفاتها هي (فن الممكن) إنها تنظر إلى الواقع وتحدد المشكلات وتحسب القوى لتصل إلى الحلول الممكن تحقيقها، وتطرحها وتدعو إليها وتعمل على تطبيقها واقعياً. أي تعمل وفق أقل المطلوب في حين أن الثقافة هي نقد الممكن وتدفع بعدم القناعة بالحلول الممكنة. أما التناقض الثالث فهو يتصل بطبيعة النخب السياسية والثقافية، بتربيتها وتكوينها النفسي والسلوكي، فكلما كانت النخب السياسية، أقرب إلى التكوين الديمقراطي كان التناقض بين الثقافة والسياسة أقل حدة والعلاقة بينهما أكثر إيجابية. ورأى المحاضر أنه حين يدرك السياسيون والمثقفون وجوه التناقض هذه يصبحون أكثر قدرة على دفع العلاقة بين الثقافة والسياسة إلى مسار أكثر صحة وسلاماً.

ويختتم المحاضر مسوح محاضرته بالقول: وإذا كانت الثقافة الوطنية تعني الثقافة المواجهة للاستعمار على حد تعبير المفكر الجابري، وإذا كان طرحها قد ترافق بإحياء التراث وتمجيده والتفاخر به من أجل تأكيد الذات ثقافياً، فإن مواجهة أخطار العولمة الثقافية وإقامة بنى مجتمعية عربية حديثة وقوية، تحتاج إلى رؤية جديدة للثقافة الوطنية رؤية حداثية تجعل الإنسان العربي قادراً على الإسهام في بناء مجتمع ديمقراطي متحرر سياسياً واجتماعياً وعقلياً، لا تتحكم به التقاليد ولا تثقله أعباء التراث، ولا يبحث في الماضي عن حلول لمشكلات الحاضر، وكل ذلك يتطلب حواراً يلحظ النقاط التالية: 1 الانتقال من الأحادية إلى التعددية، ونشر ثقافة الاختلاف والتنوع وقبول الآخر المختلف. 2 توسيع مفهوم الثقافة الوطنية ليشمل كل ما يعزز لدى الناس الذوق الجمالي والمتعة النظيفة. بمعنى أن كل ثقافة تناهض التخلف وتقوي النزوع الحداثي هي ثقافة وطنية، سواء توافقت أم لم تتوافق مع توجهات هذا الحزب أو ذلك وهذه الحكومة أو تلك .3  نشر الثقافة العصرية الحداثية. 4 تعزيز نزعة الشك المعرفي لدى المثقف، ولدى الناس ولاسيما الشباب. 5 ولعل الأهم من ذلك كله هو أن تنطلق الثقافة من مبادئ المواطنة، وأن يوجّه المثقفون اهتمام الناس إليها، فهي التي تقوي وحدة المجتمع وتعزز الانتماء الوطني، وهي التي تضمن تساوي المواطنين أمام القانون، عدم التمييز بين الناس على أساس الانتماء المذهبي أو العرقي أو الحزبي والسياسي، وهي التي تقدم فكرة المواطن على أية فكرة أخرى في العلاقات الاجتماعية.

شاهد أيضاً

“وائل كفوري” يصدر كليب أغنيته الجديدة

شام تايمز- متابعة  أصدر الفنان اللبناني”وائل كفوري” فيديو كليب أغنيته الجديدة “لآخر دقة”،والأغنية صيفية حماسية …