غياب الاستثمار والتنافسية في مجال المعلوماتية ..!

كثرت على شاشات التلفزة وعلى صفحات الجرائد والمجلات أخبار عن الاستثمار ووضع هذه المنطقة وذاك الموقع للاستثمار، في المقابل يتسابق المستثمرون لعرض خططهم وبرامجهم التنفيذية لتلك المواقع لتشتد المنافسة بين القاصي والداني من داخل سورية ومن خارجها للفوز بذلك الموقع والإسراع في إنجاز العمل وكسب الربح في أقل وقت ممكن. في مقابل تلك الاستثمارات ينعدم الاستثمار في مجال المعلوماتية والاتصالات، حيث لم نرَ مؤسسات (خاصة أو حكومية) ولا جمعيات ولا منظمات بادرت أو تسابقت لتطلق مشروعاً وتستثمر في مجال المعلوماتية، حيث بات بناء النظم المعلوماتية وأتمتة الأعمال وبنوك المعلوماتية الوطنية مشاريع بعيدة المنال، وغدت حلماً لكل من دخل مجال المعلوماتية، وتمنى أن يكون قطاع المعلوماتية من القطاعات الداعمة للاقتصاد الوطني، لأنه، وكما يقولون، التشريعات غير مشجعة وغير داعمة ولا سوق في هذا المجال وليس هناك مستثمرون حقيقيون يريدون لهذا القطاع أن يصبح صناعة وغيرها الكثير من العوائق، الأمر الذي زاد في خروج الكفاءات من البلد والعمل في هذا المجال في بلدان تصدر المعلوماتية للغير.
ضيق السوق المحلية
الدكتور جعفر الخير- عميد كلية الهندسة المعلوماتية في جامعة تشرين وصف الاستثمار في قطاع المعلوماتية تاريخياً بالقطاع المتعثر، مشيراً إلى أن هناك أسباباً عديدة لعزوف المستثمرين عن الاستثمار لخصها بضيق السوق المحلية، إضافة إلى أن الزبون الأساسي في سورية هو القطاع العام الذي لم يستطع حتى الآن أن ينتقل بعمله إلى العمل المؤتمت سوى في مؤسستين في كل سورية حيث استطاعوا أن يحدثوا نقلة نوعية (البنك التجاري السوري وسجل الأحوال المدنية).
مشيراً إلى أن الحكومة تسعى لتطبيق الحكومة الإلكترونية في مبادرات كبيرة، وهذه المبادرات لم تنعكس على قطاع الأعمال لأسباب يعتقد د.الخير أنها تتعلق بطريقة التعامل مع المنتج الفكري، كما أن طريقة تشجيع الإنتاج الفكري المحلي غير واضحة لدى الحكومة ولا يوجد دعم ولا إعفاءات ضريبية، وهناك الكثير من الغموض أثناء تنفيذ المشاريع المعلوماتية واستلامها، وهذا يدعو الناس للعزوف عن الاستثمار في مجال المعلوماتية، ومن ناحية أخرى هناك الكثير من الأعمال البرمجية في سورية تعمل للخارج بطريقة ضمن الاقتصاد الظرفي، حيث تورد الشركات البرمجيات إلى خارج سورية.
اليوم نستطيع أن ننافس بالأجور والعقول ونحتاج بعض الرعاية واستراتيجية من الحكومة لرعاية القطاع وتشجيعه كما يقول د.الخير، حيث من الممكن أن تقوم الحكومة بمبادرة إعفاءات ضريبية والتسهيلات المكانية، وتعمل على الاستثمار بشكل كثيف حتى يستطيع أن يقلع ويكون قطاعاً ريعياً يورد ضرائب وموردات لخزينة الدولة.
سوق ناشئ
وعدّت مريم فيوض- مديرة الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية في اللاذقية أن سوق البرمجة في سورية سوق ناشئ، وذلك لعدة أسباب، أهمها أن السوق المحلي لم ينضج للبدء بالاستثمار في مجال المعرفة، وذلك يعود لعدم دخول استثمارات جديدة في البلد بسبب ظروف الحرب من جهة، إضافة إلى النمطية التقليدية في الاستثمارات القائمة محلياً، إضافة لسبب الحرب لم تكتمل البنية التشريعية اللازمة لتنظيم مهنة العمل في مجال المعلوماتية وتشكيل شركات خاصة في هذا المجال، وهذا يحتاج -كما تقول فيوض- مجموعة من المعايير والتشريعات الخاصة، إضافة إلى ذلك تعدّ بيئات العمل المحيطة ببلدنا سوقاً جاذباً للكفاءات المحلية في هذا المجال، وعليه فإن أغلب كوادرنا المميزة لا تبقى في البلد بل تغادره.
بدايات ومشاريع..
رغم كل ما ذكر أعلاه تشير فيوض إلى أنه توجد بدايات جيدة لتلافي ما ذكرناه لدى وزارة الاتصالات والتقانة من خلال تبنيها عدة مشاريع تعدّ بحق الأساس لتشكيل صناعة معلوماتية حقيقية في البلد، تسهم في رفد اقتصاد البلد ووضعه على طريق اقتصاد المعرفة، ومنها على سبيل المثال، مشروع مراكز البيانات الذي يعدّ الأساس في مبادرة الحكومة الإلكترونية التي تلقى كامل الدعم الحكومي، وأصبحت ضرورة ملحة في البلد، ومشروع البيانات المفتوحة الذي يسهم بحق في تعزيز مكافحة الفساد وترسيخ مبادئ العدالة والمساواة ومبدأ التنافسية في الأسواق، إضافة لمشروع CMMI المشترك مع الجمعية العلمية السورية للمعلوماتية والذي يعرف معايير وآليات الشركات البرمجية ويمنحها الاعتمادية اللازمة للاشتراك في الأعمال وتطويرها، إضافة لمشروع التوقيع الرقمي وغير ذلك العديد من المشاريع التي تشكل الأساس اللازم للانطلاق في تأسيس سوق معلوماتية واعد في البلد، وخاصة في مرحلة إعادة الإعمار التي انطلقت في بلدنا بعد الانتصار على الإرهاب.
توظيف رأس مال مرموق
من جانبه أشار الخير إلى أن الخامات لا تكفي، فالبرمجيات و(قطاع المعلوماتية) هما صناعة ويحتاجان للتأسيس، ومرحلة التأسيس والوصول للمنتج مدة طويلة نسبياً لأن الدخول إلى سوق ناضج للبرمجيات بمنتج جديد سيكون صعباً، إضافة إلى أن استقرار الكوادر وتكوين فريق عمل هو عمل مكلف نسبياً وطويل الأمد، والحفاظ على استقرارها صعب لأن قطاع المعلوماتية بشكل عام قطاع نازف للخبرات المطلوب في كل أنحاء العالم، كما أنه لابد من توظيف رأسمال مرموق لصناعة كهذه، وخطة عمل ودراسة السوق.
وأضاف د.الخير: أعتقد أنه يجب أن تكون هناك مبادرة لإيجاد صيغة ما وطريقة التعامل مع المشاريع المعلوماتية والتشجيع للعمل في هذا القطاع، مشيراً أن هناك فترة ذهبية لسورية في الفترة الحالية لتنشئ قطاعاً معلوماتياً قوياً، حيث إن أجرة المبرمج السوري أقل من أجرة أي مبرمج في العالم.

شاهد أيضاً

ما مرض كرون وما خطورته؟

  شام تايمز – متابعة أشارت الدكتورة “يكاتيرينا كاشوخ” إلى أن مرض كرون هو التهاب …