ومن حسن حظ شابرو أنه غادر الدنيا قبل ظهور التلفزيون الملون.. وقبل الألاعيب الرقمية التي سيطرت على الشاشة الصغيرة.. وأظن أن الصدمة الأشد التي أصابته، هي في وجود شاشة مصغرة عن السينما، تبث موادها مباشرة إلى الجمهور، من أخبار مصورة، وبرامج سريعة التحضير، ودراما سطحية في أغلبها، مقابل جهود جبارة كان يتطلبها، ولايزال، صنع فيلم سينمائي، فهو لم يجد في التلفزيون سوى عملة رديئة تطرد العملة الجيدة من السوق.. واكتشف مبكراً أن التلفزيون يمكن أن يقدم كماً هائلاً من المعلومات، ومن التسلية.. وعبر فيض المعلومات المتدفق والمتناحر والمتناقض، لن يقدم سوى التسلية المجانية.. ولن يبقى في ذهن المشاهد سوى معلومات مشوشة، ليس بسبب عدم مصداقيتها، بل بسبب تدفقها الغزير، وتلقيها السهل.. وهي على الأغلب لا تراكم إلا ثقافة ضحلة ووعياً ضبابياً عند جمهور بالغ العدد.. والجمهور المتلقي، هو في أغلبه جمهور مُستلب، تبهره ألاعيب التقنيات الحديثة.. ويغرق عبرها في عالم من الخدر المبرمج.. ثم ينحو في لاوعيه نحو رفض كل ما يراه.. والإيمان بأن الشمس هي التي تدور حول الأرض.. وأن الأرض ثابتة.. وليس من المستغرب أن يقف شارلي شابلن هذا الموقف، ولا يستوعب التطور الذي لا يتوقف أبداً على مدى مسيرة البشرية، وبسرعات متزايد.. ومادام الموضوع هنا ثقافياً أتذكر مواقف كثيرة، ومنها موقف الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري، على خطا كثيرين سبقوه، وقد تصدى للشاعر أدونيس، من حيث أن أدونيس يرى أن: «خير ما يكون عليه الشعر، عندما يصبح بعيداً عن (البيئة).. بعيداً عن المجتمع.. بعيداً عن السياسة.. بعيداً عن هموم الناس، وأفراحهم، وآلامهم».. ويرى الجواهري أن أدونيس «لا يقيّم الشعر على أساس مواضيعه، وإنما على طريقة التعبير، ومدى تجاوبها مع القيم الشعرية المعاصرة، ومع فهمه للشعر».. والجدال مستمر.. كما الحياة مستمرة.

وليد معماري