الشريط الإخباري

ام كلثوم، الأداء المعجز والحضور الذي لايغيب

كيف لهذه السنين أن تمر، من دون أن نشعربها، ٤٥ عام، نعم ٤٥ عام على رحيل صاحبة الجمال الطربي التعبيري، الذي أغنى ذائقتنا وأبهج ارواحنا المتعبة، طوال كل هذه السنين، ولايزال يمنحنا المتعة الروحية المشتهاة، حتى في زمن العولمة والأغاني المعلبة، الذي يتحفنا بها المشهد المعاصر، حيث لا روح او حياة او ابداع إلا ماندر.
-نفتقدها، وكيف لنا ألا نشعر بغيابها الطويل، وهي التي أعطت القصيدة الغنائية، بهائها ومجدها وسحر جمالها العذب، بفضل صوتها الكبير الذي لم يبخل علينا، بالعطاء والجمال والأداء الذي لايعادله أداء. نعم حظيت هذه الفنانة الاستثنائية، بصحبة فنية من النادر أن تتكرر. شعراً ولحناً وعازفين مهرة ونقاد كبار، لكن يبقى حضورها أعمق وأهم. لأنها مثال للفنانة التي صنعت مجدها بكل ما أوتيت من ارادة وصبر وعمل دؤوب لم يتوقف الى آواخر أيامها، فمن يتذكر تلك الطفلة الصغيرة فاطمة البلتاجي ، وهي تنتقل مع أبيها عبر الأرياف والقرى البعيدة، تلتقط الأغاني الشعبية البسيطة والحكايا وتتعرف عن كثب الى مدرسة التجويد القرآني والموشحات والقصائد والمواويل من قبل شيوخها وأساتذتها الكبار، بماحرك ما كان ساكناً في صدرها ووجدانها، وهي التي تمتلك جمال الصوت والأداء الفطري الصادق، لتلتحق فيما بعد وتتلمذ على كبار الأساتذة في الغناء والتلحين، ولتبدأ رحلة العطاء والابداع التي وسمت مرحلة مهمة من مراحل التاريخ العربي المعاصر وخاصة أبان فترة المد القومي العربي، وماحفلت به من أحداث ومنعطفات غيرت وجه المنطقة العربية برمتها. وهكذا واجهت أم كلثوم كل الصعاب التي وقفت في طريق مجدها وحلمها في أن تصبح مطربة عظيمة لها شأن عظيم. بمزيد من التحدي والارادة القوية وروح المثابرة والتعلم، فكان لها ما أرادت وأراد زمن الفن الجميل في أن يمنحنا كل هذا الجمال الطربي الكلثومي الخالد، حيث قدمت خلال مسيرتها الحافلة مجموعة من الأعمال الفنية العظيمة وعلى كافة المستويات الدينية والوطنية والعاطفية ، وكانت محظوظة جداً كما أسلفنا مع تلك الصحبة الفنية التي شاركتها الابداع والجمال، بدءاً من استاذها الأول الشيخ أبو العلا محمد، مروراً بالموسيقار المجدد محمد القصبجي، والموسيقار الكبير محمد عبد الوهاب، وشيخ الملحنين زكريا أحمد. وصاحب القصائد الكبيرة رياض السنباطي، الذي قيل فيه “إذا أردت أن تتسنبط فتكلثم، أو إذا أردت أن تتكلثم فتسنبط” في دلالة على عمق العلاقة التي جمعت بينهما حياتيا وابداعيا، وصولا الى صاحب البصمة الفنية المائزة الموسيقار محمد الموجي وكمال الطويل والمبدع الساحر بليغ حمدي، أصغر الملحنين الذين منحوها جمالا موسيقيا تعبيريا مذهلا. نعم كتب الكثير عن أم كلثوم، لكن من المؤكد أن ثمة أسرار لابداع هذه القامة الشامخة لم يكتشف بعد، وهذا يفسر الى حد كبير، كيف لاتزال أغانيها حاضرة وبقوة في المشهد المعاصر، تتناقلها الأجيال بكل محبة وتقدير لفنها العظيم الاستثنائي، الذي عبر بصدق عن قضايا الوطن والانسان الجوهرية، في الحب والحياة، وهذا يفسر أيضاً المقدرة الفنية العظيمة والطاقة الابداعية التي امتلكها هذا الصوت الاستثنائي أحد مبدعي زمن الفن الجميل الذي وسم عصر النهضة بدايات ومنتصف القرن الماضي، لتتشكل معالم فن غنائي عربي جديد، فن تعبيري وصل في بعض مراحله الى مستويات القطعة الممتازة الشائع في موسيقات الغرب الكلاسيكي، وكانت أم كلثوم حاضرة وبقوة في تفاصيل ومشاهد هذه الرحلة الغنائية النادرة، بجمالها الدرامي المعبر، وسحر كلماتها وعذوبة ألحانها، رق الحبيب،الأوله بالغرام، الآهات، هو صحيح الهوى، الأطلال، رباعيات الخيام، هذه ليلتي، نهج البردة،سلو كؤوس الطلا، الحب كله، للصبر حدود، اسأل روحك، ذكريات، سهران لوحدي، شمس الأصيل، عودت عيني، أنت عمري،أمل حياتي، أروح لمين، سيرة الحب، فكروني، دارت الأيام، وقائمة طويلة من الابداع الكلثومي، سكنت وجداننا وأغنت ذائقتنا ولاتزال ، لأنها وببساطة شديدة، ابنة الفن الجميل الأصيل الذي لم يخذلنا يوما ما، الفن الذي قرأنا وقرأ دواخلناالنفسية، ليبهج قلوبنا وأيامنا المتعبة، فكم كنا محظوظين رفقة هذا الصوت الكريم الذي لم يبخل علينا، بعطاءه وجمال ابداعه الساحر. نعود اليه، كلما حاصرتنا نتاجات البؤس والانحطاط والرداءة السائدة في المشهد المعاصر، وكلنا ثقة بأن ينتشلنا من كل هذا الوباء الذي يطلق عليه زوراً وبهتانا، الغناء العربي، الذي لاهو غناء ولاهو عربي اللهم إلا بالأسم، غناء أقرب الى الهذيان والعربدة ورقص الدببة، الأغنية العربية اليوم مع كل الأسف فقدت حمرة الخجل، وأصبحت مرتعا خصبا للمتطفلين والمهرجين والأدعياء، وهذا كان من المحال أن يوجد في عصر وزمن أم كلثوم، حين كان للفن دور ورسالة وبعد حضاري وانساني ، لا الفن المعلب اليوم، الذي يؤله كل ماهو مادي رخيص، في سبيل المنفعة المادية ولاشيء سواها، نعم نعترف أننا دائماً نحن ونشتاق الى عصرها وحضورها الاستثنائي، لأننا وببساطة شديدة، تربينا جماليا وذوقيا، على جمالية اللغة العربية وسحرها، وعلى أصالة موسيقانا العربية وغناها التعبيري المذهل، وعلى الأصوات الطربية التي قاربت حدود الإعجاز . وهذا مانفتقده اليوم في المشهد المعاصر البخيل والضنين بالابداع،والجمال الموسيقي الذي يُجمْل الحياة ويجعل الانسان أكثر انسانية وعطاء.

 

علي الأحمد

شاهد أيضاً

محاضرة للباحث “صالح خلوف” في فرع دير الزور لاتحاد الكتاب العرب

شام تايمز – متابعة أقام فرع دير الزور لاتحاد الكتاب العرب  محاضرة  بعنوان “لماذا انحسر …