شارك في ميسلون واعتقل في أرواد … خالد الخطيب الطبيب الجراح الأديب الخطيب الشاعر

لا أدري لماذا بعض أدباء بلادنا الحبيبة سورية لا تكاد تنقطع أخبارهم ومآثرهم وتداول كتاباتهم، في حين أن آخرين يلفُّهم رداء النسيان، وإنتاجهم الفكري يبقى مدفوناً تحت غبار الإهمال، ومن هؤلاء الشاعر خالد الخطيب، الذي دنوت منه من خلال كتابٍ كتبه ابن صديقٍ له، فأكبرت نضاله الوطني ضد الفرنسيين، وأعْجِبت بجزالة ما نظمه من شعرٍ، شكلاً ومضموناً، وقد رأيت نقل معرفتي البسيطة عنه إلى كرام القارئات والقراء عبر هذه المقالة، راجياً أن يتذكَّروا ما نسوه، وأن يتعرَّفوا على ما لا يعرفونه.

خالد بن محمد سليم الخطيب، وُلِدَ بحي المرابط بمدينة حماة، وتلقَّى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارسها، ثم دخل معهد الطب في دمشق، وتخرَّج فيه طبيباً جراحاً، وقد اشتهر وهو على مقاعد الدراسة بالنجابة والذكاء والجرأة وقوة الشخصية، كما اشتهر خطيباً بارعاً.
تطوَّع الدكتور خالد الخطيب طبيباً عسكرياً في الجيش العربي، الذي هبَّ لملاقاة الفرنسيين في ميسلون بقيادة يوسف العظمة عام 1920، وأدَّى دوره كاملاً، فقد كان يتنقل ورفاقه بين صفوف المقاتلين تحت القصف؛ لإنقاذ حياة المصابين. بعد المعركة، اعتقله الفرنسيون مع غيره من الوطنيين، وحُكِمَ عليهم بالإعدام، ثم خُفِّف الحكم إلى السجن في جزيرة أرواد، وأُفرجَ عنهم فيما بعد شريطة عدم الظهور أمام الملأ، ولكنه أودع السجن مرة أخرى ليفرج عنه لاحقاً، وفي كلا المرَّتين أصبح أشد إيماناً بعقيدته الوطنية.
بعد إخماد ثورة المجاهد فوزي القاوقجي في حماة ضد الفرنسيين عام 1925 التي اشترك فيها، فرَّ إلى حمص بعد أن بحث الفرنسيون عنه، ليلتحق بثورة جبل العرب وغوطة دمشق، وتعرَّض للموت أكثر من مرة، وكان يهتمُّ بمعالجة الجرحى والمرضى بإنسانية قلَّ نظيرها، ثم غادر إلى عمَّان ومكث فيها مدة، ولكنَّ الإنكليز أخرجوه منها تودداً للفرنسيين، وغادر إلى مصر حيث تعرَّف على امرأةٍ إنكليزية واقترن بها، واستطاع العودة إلى عمَّان حيث افتتح عيادةً له بجبل عمَّان، وبقي يعمل فيها حتى وفاته، وكان فقده خسارة قومية فادحة، وقد وصفه الزركلي صاحب الأعلام بأنَّه كان شريف النفس، أبياً، فيه أريحية كاملة وفتوة.
بعد وساطات سمحت السلطة الفرنسية بنقل جثمانه من عمَّان إلى دمشق، حيث دفن بمقبرة الباب الصغير، بعد أن رفض الفرنسيون دفنه في مسقط رأسه حماة خوفاً من نشوب المظاهرات ضدهم. وقد نعته الأمة العربية جمعاء، فأقيمت له مجالس العزاء والندوات التكريمية في حماة ودمشق والقاهرة وعمَّان، وأبَّنه في حماة الشاعر بدر الدين الحامد بقوله:
يا معقل الأحرار يا أرواد كم من سيدٍّ قيَّدته بصفاد
والسجن للأحرار ليس بضائرٍ إن السيوف تُقَرُّ في الأغماد
بعد مرور عشر سنوات على وفاته، زار قبره صديقه في الجهاد « محمد سعيد غنيم» الذي شاركه في معركة ميسلون، فهاله إهمال القبر، وشيَّد له مقاماً يليق بمكانته الجهادية.
كتب الدكتور الخطيب عشرات المقالات في الصحف والمجلات التي كانت تصدر في عشرينيات القرن الماضي، كما ألقى في المحافل والمهرجانات والمناسبات الوطنية خطباً رائعة باتت حديث الناس في ذلك الحين. لكنَّ إنتاجه الأدبي هذا فُقِدَ عدا مقالتين وخطابٍ واحد، المقالة الأولى عنوانها: «دستور سورية الجديد» نُشِرت في جريدة المقطَّم القاهرية بتاريخ 15 آب 1928 عقب ظهور الدستور لعرضه على الجمعية التأسيسية، والمقالة الثانية عنوانها: «الدين والقومية» نُشِرت في مجلة «السيدات والرجال» الصادرة في القاهرة في شهر أيلول 1928، أما الخطاب فقد كان في رثاء الشريف حسين بن علي قائد الثورة العربية الكبرى خلال حفلٍ تأبيني له في عمَّان بتاريخ 14/7/1931.
غير أن أكثر ما اشتهر به عَلَمُنُا هو نظم الشعر، ومما كتبه لوالده في أثناء وجوده في سجن قلعة أرواد:
أبي إن سُجنت فلا تبك فما أنا أول سيفٍ غُمد
وما السجن إلا عرين الأسود ومن لا يجلُّ عرين الأسد
وكتب يصف سجن جزيرة أرواد وشبَّهه بسجن الباستيل الشهير بباريس:
أرواد يا دار بؤسٍ عنها المظالم تروى
لأنت الباستيل هذي الـبلاد يا شرَّ مثوى
وكان شاعرنا متنوِّراً بامتياز، فقد دعا إلى تحرُّرِ المرأة بقصيدةٍ نُشِرت في عشرينيات القرن المنصرم، ومما جاء فيها:
وأهوى ولكنَّ فتاة العلى لها المجد شأو بما تدأب
أحب الفضيلة في شخصها وأهوى حديثاً لها يُنسب
فتاة البلاد متى تصبحين فتاة هي المثل الأعجب
فلا الشرع يفتي بأن تحرمي من العلم كلا ولا المذهب
وكتب – تعاطفاً مع الشعب الياباني – يصف كارثة الزلزال الذي ضرب مدينة يوكوهاما اليابانية بتاريخ 9 أيلول 1923، وأتى عليها كاملةً ولم يبق فيها حجراً على حجر:
خطبٌ ألمَّ بيوكوهاما لم يقع أبد الدهور
دكَّ الجبال بقوة الز لزال قاصمة الظهور
ومن شعره الوطني الداعي فيه للوحدة العربية:
يا حماة البلاد أهل الحمية أسمعونا صوت النفوس الأبية
أسمعونا صوتاً يرنُّ صداه في صدور المجالس الغربية
ختاماً أقول: إن كل المعلومات الواردة في هذه المقالة مستمدة من كتابين اثنين صدرا عام 2009، الأول كتبه الأستاذ محي الدين غنيم، وهو ابن المجاهد محمد سعيد غنيم صديق الشاعر، وفيه يروي قصة حياته، تكريماً له واعترافاً بصداقتهما، وعنوانه: «الدكتور خالد الخطيب 1898 – 1933 مسيرة حياته ونضاله»، وصدر عن دار الحصاد للنشر بدمشق، والثاني هو ديوان شعره من تحقيق الأستاذ عبد الرزاق الأصفر، وعنوانه: «ديوان الطبيب المجاهد خالد الخطيب»، وصدر عن دار سعيد العاص للنشر بحماة.

نبيل تللو

شاهد أيضاً

أهم المسابقات العالمية السنوية للكتابة

شام تايمز – متابعة تأتي أهمية المسابقات الأدبية لتكون حافزًا للكتّاب لتحقيق طموحاتهم الأدبية، إذ …