وما إن انتهى «أبو سعيد» من سرده حتى عادت إليه حالة القهقهة التي تتخللها بعض الكلمات: «مُستَثْقِف» هههههههه، «مُستشعِر» ههههههههههه، «مُستَفعل» ههههههههه، وهنا تذكَّر قصة رواها لنا أيضاً عن رجلٍ يعشق اللغة العربية، وفي الوقت ذاته يحمل قضيته الوطنية أينما ذهب، وبوصلتها فلسطين كما كان يُكرر دائماً، ولا يتخلَّى عنها مهما جار عليه الزمن، لكنه بعدما عايش النكسة والنكبة وأوسلو ووادي عربة وكامب ديفيد والآن «صفقة القرن»، بات يسير في الشارع، واضعاً «الكفّية» حول عنقه، ويُمسك بطرفيها، وبأعلى صوته يقول: مُستفعِلُنْ فاعلُنْ مُستفعِلُنْ فاعلُنْ.. إن البسيط لديه يُبْسَطُ الأملُ.. مُستفعِلُنْ فاعلُنْ مُستفعِلُنْ فاعلُنْ..
وبعدما شعر «أبو سعيد» بغصة عميقة في حلقه، أراد أن يُخفِّف وطء الحكاية الأخيرة على سامعيه، فأدار الحديث مرَّةً أخرى إلى ذاك المُستثقِف سائلاً إياه: ما كانت أجمل لوحة رأيتها لبيتهوفن؟ وفَقَع قهقهة مكتومة تخللتها كلمة «مُستفعِلٌ» عدة مرات.

بديع صنيج