مصائر الكتب!

عالج الروائي خليل صويلح في كتابه «ضد المكتبة» إشكالية المطبوعات الهزيلة التي يمكن أن تغزو المكتبة، مؤكداً ضرورة التخلص منها عن طريق الإهداء أو تركها مشرعة للسرقة وأحياناً ترحيلها بشكل إجباري إذا ضاق المكان فأصبحت تشغل مساحة على حساب أمهات المؤلفات.. واستناداً إلى هذه القاعدة، كان زميلنا صويلح أثناء استلامه صفحة الكتب وقبلها الملحق الثقافي، يترك الكتب غير المهمة بشكل عشوائي على الطاولات في المكتب عساها تتعرض للسرقة فيكون بذلك قد ضرب عصفورين بحجر، الأول يتمثل بالتخلص منها، والثاني يعبر عنه القارىء غير الحصيف الذي يتمرس بعامل التدريب فيقرر ألا يقع في الحفرة مرتين إذا تمكن من اكتشاف الغث من السمين!.
بعض الكتب يمكن أن يتحول إلى عبء!. في المنزل والمكتب وداخل الحقائب، علينا التخلص من العناوين الهزيلة التي لا تضيف شيئاً للمخيلة لمصلحة الكتب الثمينة المحترفة في تغيير مصائر البشر، وبرغم أننا ننادي دائماً بتكريس عادة القراءة، فإن بعض القراءات تعد كارثية من حيث ثقل دمها وانخفاض منسوب الدسم لديها، وهنا يكون التعزيل الدوري للمكتبة أمراً ضرورياً كي لا تنمو الأعشاب الضارة على حساب أزهار البستان، وحتى لا يتضرر الزرع بالطفيليات التي تشوه المشهد وتجعل الحصاد مملوءاً بالزؤان.. وهنا يمكن أن نتحدث عن كتب سماها خليل صويلح باللعنة التي لا يمكن الخلاص منها مهما غير المرء منزله المستأجر أو بدل عفش بيته أو نفض سقيفته المملوءة بـ «الكراكيب».. ونسأل بعض الباحثين لماذا يحتفظون في مكتبتهم بمطبوعات لا تضيف شيئاً إلى المخيلة، فيجيبون إنه نوع من المتابعة لكل ما يصدر في هذا الفن أو ذاك إذ يتطلب البحث عودة إلى العناوين وأرقام الصفحات كنوع من التوثيق ليس إلا!. البحث عن «خير جليس» يستحق الاحتفاء بالبقاء زمناً طويلاً على رفوف المكتبة، ليس بالأمر السهل، وأكثر ما يروعنا هنا أن مكتبات الكتاب الكبار تلاقي مصيراً مجهولاً بعد رحيلهم خاصة إذا كان الورثة لا يقتنعون بجدوى القلم والورقة بل يعدون ذلك نوعاً من الهراء والفقر.. كثيراً ما نعثر في مكتبات الرصيف على كتب عليها إهداءات لكتاب مشهورين فنستنتج مباشرة أن الأبناء قرروا ترحيل كتب الكاتب المتوفى مع كل ما يعدونه «كراكيب» ومقتنيات لا لزوم لها في المنزل.. وفي المقابل، فإن من يقررون إهداء مكتبة الراحل إلى المكتبات الوطنية كي يستفيد منها الباحثون والقراء، يستحقون الاحترام فعلاً.. فمثلما تشكل العناوين الهزيلة عبئاً على القارىء الخبير والكاتب النادر، فإن جميع المطبوعات العظيمة منها والعادية أو البسيطة، تعد بالنسبة للجاهلين مجرد كيلوغرامات من الورق يمكن بيعها إلى المحلات أو إلى المشتغلين في صناعة الكرتون أو المهن الأخرى.. وهنا يمكن الحديث عن هتك للحرمات يمكن أن تتعرض له المكتبة إذا مات صاحبها وتركها وحيدة في الصالون تنتظر مصيرها المجهول مع تجديد الديكور!.
من المفارقات الغريبة أن الكثير من الكتاب العرب لا يمتلكون مكتبات خاصة لأنهم يسكنون بالإيجار، وليس لديهم طاولة مكتب يمارسون فيها طقوسهم أثناء القراءة والتأليف، فالكاتب العربي كثيراً ما يكتب تحت الدلف وفي الشارع لأنه يعيش تحت خط الفقر.. إنها الكتب، تلك الكائنات التي ترافقنا على الدوام يمكن أن تحكي القصة من ألفها إلى يائها!.

 

زيد قطريب

شاهد أيضاً

“قيس الشيخ نجيب” يوجه رسالة بعد وفاة والدته

شام تايمز – متابعة وجّه الممثل السوري “قيس الشيخ نجيب” رسالة شكر لجمهوره، ولجميع الأشخاص …