مع بدء عروض مسرحية “هوى غربي” إخراج غسان مسعود اليوم الثلاثاء على خشبة مسرح الحمراء تبدو كاتبتها لوتس مسعود أكثر ثقة بما تقدمه اليوم ككاتبة مسرحية وأكثر إحساساً بالمسؤولية الملقاة على عاتقها بعد أن اختبرت طريقة التعاطي مع آراء الناس وردود الأفعال من خلال تجربتها المسرحية السابقة “كأنو مسرح” التي خاضتها قبل سنتين والتي كانت مهمة لها ليس على صعيد الكتابة فقط بل على الصعيد الإنساني.
مضمون العرض
قرأت لوتس مسعود كل ما كُتِبَ عن “كأنو مسرح” وتوقفت عند النقد الحقيقي وكانت تهتم بالنقاط التي يتم التركيز عليها، خاصة فيما بتعلق بالنص ولا تنكُر أنها بنت على بعض ما كتب في “هوى غربي” إلى جانب كتابات أخرى، وعلى الرغم من ذلك فهي لا تستطيع أن تحكم على “هوى غربي” قبل أن يشاهدها الجمهور ويحكم عليها، منوهة إلى أن “كأنو مسرح” تجربة عزيزة على قلبها جعلتها بعد فترة قادرة على نقد ذاتها، خصوصاً وأن المدة الزمنية بين “كأنو مسرح” و”هوى غربي” لم تكن قصيرة وقد تعلمت خلالها الكثير.. ومن هنا تأتي برأيها أهمية أن يترك المرء مسافة بين تجاربه ليتعلم منها بشكل صحيح، ومن هنا تغيرت نظرتها إلى مفهوم المسرح في هذه المدة الزمنية بين “كأنو مسرح” و”هوى غربي”، موضحة أنها في السابق كانت ترى فيه المكان الذي يجب أن يحقق المتعة بالدرجة الأولى، أما اليوم فهي تؤمن بدور المسرح في إرسال الرسائل التي يسعى المخرج ومن معه لإرسالها والتعبير عنها، إلى جانب عنصر المتعة العامل الأساسي الذي يتم الاشتغال عليه في الفنون عموماً وفي المسرح بشكل خاص، خاصة وأنها تؤمن أن المسرح هو لكل الجمهور وليس لفئة معينة، وبالتالي فإن من يأتي لحضور عرض مسرحي يأتي ليستمتع وليس لينكِّد على نفسه مهما كانت القضية المطروحة كبيرة، مشيرة إلى أن هناك دائماً طرق لتقديم ما نريد بشكل ممتع، لذلك لا تنفي وجود المتعة في مسرحية “هوى غربي” ولكن الاشتغال من قبلها وبالدرجة الأولى كان على مضمون العرض المسرحي من خلال تجسيد ما آلت إليه حياتنا كسوريين بعد الحرب بطريقة غير مباشرة بهدف تقييم سلوكياتنا بشكل صحيح.
الكتابة العفوية
بفعل الزمن ونضوج التجربة تغيرت لوتس مسعود الكاتبة والإنسانة منذ “كأنو مسرح” وتشير إلى أنها كانت تفكر كثيراً أثناء الكتابة كيف سيقرأ الجمهور ما تكتبه، ولكن عندما كتبت “هوى غربي” تركت نفسها ككاتبة على سجيتها تخط بعفويتها وتلقائيتها المعروفة ما يجول برأسها إيماناً منها بأن تركيزها يجب أن ينصب على رسم الشخصيات وحواراتها وتصاعد الأحداث والوصول إلى حبكة معينة، مشيرة إلى أنها اكتشفتُ لاحقاً من خلال قراءة الممثلين لنص “هوى غربي” وحضور عدد من الأشخاص الذين تثق بآرائهم للبروفات بأنها نجحت في ذلك مما جعل للنص قراءات متعددة بدلاً من قراءة قد تكون وحيدة.
القلق كبير
أشياء كثيرة تغيرت في علاقة لوتس مسعود ككاتبة مع المخرج غسان مسعود في “هوى غربي” مؤكدة أن النقاش أصبح أكبر وأكثر حدة في بعض الأحيان، في حين تعترف أنها في “كأنو مسرح” كتبتُ النص ومن ثم تحوّلت لمراقبة ترصد ما يجري على خشبة المسرح، فكانت متلقية في البروفات وسعيدة بتجربتها الأولى، لذلك كان الإحساس بالمسؤولية أقل، أما اليوم فالقلق كبير والنقاش طويل والحوارات مع المخرج لا تنتهي وهذا مؤشر على تطورها على صعيد التجربة وأن حرصها ودقتها أثناء العمل لقناعتها أن قيمة الكلام المكتوب على الورق يتجلى حينما تصل العلاقة بين النص والمخرج والممثلين إلى حالة تبنٍ كامل، وهو ما يسعى إليه الكاتب الذي يحرص على إيصال فكرته بالشكل الأنسب، مع اعترافها أنها ككاتبة كان يؤلمها كثيراً إجراء أي تعديل عليه ولكنها تدريجياً استسلمت لفكرة أن المخرج هو كاتب ثان للنص المسرحي وله كامل الحق في التصرف فيه لما فيه مصلحة للعرض.. من هنا بدأت تتعاطى اليوم مع نصها بشكل مختلف وبعيداً عن الأنانية التي كانت تجعلها ترفض المساس به، مشيرة إلى أنها ككاتبة في “هوى غربي” لم تتدخل في الشكل الفني الذي لم يبتعد عن مدرسة تشيخوف بواقعيتها السحرية والقليل من الغروتِسك، منوهة إلى أن المسرح اليوم في أغلب عروضه عاد إلى الواقعية، والسبب هو حاجة الناس لأن ترى على خشبة المسرح ما يشبهها ويلامس همومها ومشاكلها وأوجاعها، وبالتالي فإن من يعمل في المسرح وصل لنتيجة أن الجمهور بمختلف مستوياته الثقافية والعلمية أصبح بحاجة لعروض قريبة منه ليست معقدة أو عصية على الفهم.
مدرسة تشيخوف
كتبت لوتس مسعود النسخة الأولى من “هوى غربي” بعد الانتهاء من مسرحية “كأنو مسرح” بشهرين وإلى ما قبل البروفات أصبح هناك ست نسخ مكتوبة عن “هوى غربي” موضحة أنها أول ما بدأت بالكتابة كانت ما زالت غارقة بتفاصيل “كأنو مسرح” لذلك تركته جانباً بعد كتابة البنية الأساسية حتى لا تقع في مطب التكرار.. وبعد كتابات عديدة على مدار عامين تمت صياغة نسخة أخيرة مختلفة بنسبة 75% عن النسخة الأولى هي خلاصة مشاهداتها وقراءاتها المتعددة ومتابعتها للعروض، موضحة أنها كتبت “هوى غربي” وفق مدرسة تشيخوف والواقعية السحرية التي تميزت بها، ولكن تدريجياً ومع دخولها لأعماق الشخصيات بهمومها وتاريخها أنتجت شخصيات سورية، كل شخصية منها لها مرادف في المجتمع السوري، مؤكدة لوتس أنها ليست ضد أن تُقَدَّم عروضاً عن نصوص أجنبية في المسرح السوري، وهو أمر ضروري برأيها، ولكنها ترى أن الجمهور بحاجة في الفترة الحالية لأن يرى نفسه على خشبة المسرح، فأي عرض من الواقعية الأمريكية برأيها اليوم قد يكون ممتعاً بالنسبة للبعض ولكن لا يعنيهم لا من بعيد ولا من قريب لأنه يطرح هموماً ومشاكل قد تكون غريبة وبعيدة عن مشاكلنا، وعن طريق شخصيات تتحدث بلسان حالها، في حين تؤمن أن ملامسة الجمهور شرط مهم وعامل أساسي في أي عرض مسرحي.
الانتماء
عندما بدأت مسعود بكتابة “هوى غربي” كان هاجسها طرح سؤال “هل فعلاً انتهت الحرب وهي التي تؤمن بأن نتائجها النفسية كثيرة؟ “لذلك كان من الضروري أن تعكس هواجس كثيرة تشغلنا، ومنها قضية الانتماء للوطن وللمكان وللجذور وسؤال: هل ما زال الانتماء موجوداً بقوة كما كان قبل الحرب؟ هل الانتماء تأثر بعامل الحرب أم لا؟ هل كشفت الحرب الانتماء الحقيقي لدى الناس لذلك سنرى أنماطاً مختلفة من المجتمع السوري في “هوى غربي” مع تأكيدها أنها حاولت أن تبتعد عن ما طُرح في “كأنو مسرح” وقد كان طرحَاً ضرورياً وقتها حيث كان من الصعب حينها تقديم ما هو مختلف عن الظرف الذي كان الجميع يعيشه مبينة أنه في “هوى غربي” أصبح هناك تناول مختلف عن الأزمة بعد انتهاء الحرب.
ثنائية دائمة
وفي نهاية حوارنا معها ترد لوتس مسعود وبكل صراحة على كل من يسألها لماذا لم تعمل حتى الآن إلا مع والدها قائلة: “لن أجد أحداً حريصاً على نصي كحرص والدي كمخرج على النص الذي بين يديه” متمنية وجود ثنائية دائمة بينها وبين المخرج غسان مسعود وإن مثل هذه الثنائيات موجودة في جميع أنحاء العالم سواء داخل العائلة الواحدة أو خارجها، ليكون الحكم في النهاية على المنجز الذي تقدمه وليس سؤال لماذا هذه الثنائيات.
مسرحية “هوى غربي” من تمثيل: جمال قبش، نظلي الرواس، لجين إسماعيل، روبين عيسى، سيف الدين سبيعي، غسان عزب، عبد الرحمن قويدر، مصطفى المصطفى ومي مرهج.
أمينة عباس