كما أكدت أبحاث تلك الدكتورة، مشكورةً، أن استجابات التوتر أمرٌ جوهري لبقاء المُتعَبين نفسياً على قيد الحياة، ليس كنوع من العقوبة، وإنما كإكسير جديد يُضاف إلى رصيدنا السلبي فيجعله إيجابياً، من خلال تأهيلنا للتكيف مع مختلف الظروف، بما فيها عندما نكتشف، بمحض المصادفة أن كيلو الكوسا الواحد بات بسبعمئة وخمسين ليرة، وفي روايات أخرى أنه قارب الثمانمئة.
وفي المواقف العصيبة، كأن نُدرك مثلاً أننا لا نملك ثمن أدوية آبائنا وأمهاتنا رغم أننا في منتصف الشهر، فإن ذلك، كما تُشير الدراسة، على عكس المتوقع لن يُحبِطُنا، بل يدفع أداءنا نحو الأفضل، بحيث نقلب المعادلة رأساً على عقب بصعقة توترٍ واحدة، وهو ما سمته العالمة -كثَّرَ الله خيرها وأمثالَها- بـ«التوتر النافع»، إذ تتنشَّط بعض الخلايا العصبية الخاملة وتجعلنا مستعدين مرة بعد مرة لمواجهة الضغوط في المستقبل، حتى لو كانت كل المؤشرات تؤكد عدم وجود أي أفق له، إذ إن توتُّرنا النافع يرفع مستويات هرمون «الأوكسيتوسين» ويجعلنا أكثر قدرة على الاحتضان الاجتماعي ومواساة بعضنا بعضاً، أي أن للتوتر مزايا لا تُعدّ ولا تُحصى، في حين كُنَّا قبل قراءة هذه الدراسة لا نكتفي بظُلمِه، بل نُكرِّس صورتَه السلبية ونتَّهمُه بأنه سبب كلُّ عِلَلِنا، من ارتفاع الضغط، ونقص السكر أو زيادته، وسوء الامتصاص، و«لخبطات» الغدد الصم،… في حين إنه إن علمنا كيف نستثمره يُصبح إيجابياً بالمطلق، إذ كما أوضح البحث أن الطاقة الناجمة عنه تُتيح لنا مكافحة التعب، وزيادة مُعدَّلات الإنتاجية.
والآن مع كل هذه الدلائل، والأكوام الهائلة من التوتر الذي عادانا طوال الفترة الماضية، علينا أن نُبدي بعض الامتنان له، وأن نعترف بأننا لطالما ظلمناه، والأهم أن نبدأ باستثماره قبل أن ينتبه له ثلَّة المُفسدين ويستثمرونه ضدّنا.

بديع صنيج