في معرضهم الأول رسّامو مجلة أسامة: حبنا للأطفال وردّ الجميل سبب استمرارنا

عند الحديث عن الطّفل وعن الأدب والفن الموجّه له، لابدّ من الحديث عن صعوبة محاكاته والتّعامل مع عقله وفكره وإبداعه أيضاً، ولعلّ الرّسم الموجّه للطّفل واحد من هذه الفنون التي تتطلّب أن يكون الفنان على قدر الطّفولة التي يتعامل معها من حيث عدم الاستسهال في الفكرة والّلون والثّقافة والمعرفة، مقابل ذلك لابدّ من إعطاء هؤلاء الفنانين حقوقهم المادية والمعنوية أسوةً بزملائهم في الاختصاصات الأخرى، وتشجيعهم على الاستمرار في أداء رسالتهم وهم مرتاحو البال، على الرّغم من أنّهم لايشتكون ولا يتذمّرون من تدنّي سعر اللوحة ولا من تهميشهم في المعارض التي تقام للفنانين التشكيليين بين الفينة والأخرى، ولعلّ تذّكر هؤلاء الفنانين وتكريمهم وتشجيعهم من قبل المجلات الطّفلية التي يتعاملون لمصلحتها هو الأكثر أهمية بالنسبة لهم، ولاسيما أنّ معظمهم ليس موظفاً فيها بل يقدّم فنّه حبّاً بالأطفال ورغبة منه في ألّا تذهب موهبته ودراسته من دون أثر يذكر.

وتحية منها للرّعيل الأوّل المؤسس لفن اللوحة الطّفلية في سورية، والأخذ بيد المواهب الشّابة الواعدة إلى إكمال اللوحة التي بدأها ذلك الرعيل، أقامت الهيئة العامة السّورية للكتاب – مجلة أسامة بالتّعاون مع مكتبة الأسد الوطنية في دمشق، المعرض الأوّل لرسامي المجلة وذلك بمشاركة اثنين وعشرين فناناً وفنانةً، يقول الدكتور ثائر زين الدين المدير العام للهيئة: الجميل في هذا المعرض أنّه يقدّر العمل، بدأنا بأسماء كبيرة مثل ممتاز البحرة ونذير نبعة, وتابعنا مع أجيال متتابعة وأجيال حديثة، فالرسم هو العنصر الأكثر أهمية في النص الموجّه للطفل سواء أكان قصيدة أم قصة، صحيح أنّ المضمون مهم جداً, لكن أحياناً نتغافل قليلاً عنه لمصلحة طريقة تقديم هذا المضمون، والفضل الكبير لرسامي مجلة أسامة الذين يقدمون جهداً كبيراً لإيصال الرسالة.
بدوره، يقول قحطان بيرقدار رئيس تحرير مجلة أسامة: أحببنا إقامة المعرض لفناني المجلة الذين وقفوا إلى جانبنا في السنوات الصعبة على الرّغم من الظّروف وقلة الأجور، تشجيعاً لهم على الاستمرار، حيث يشارك في المعرض اثنان وعشرون فناناً، ولكلّ فنان أربع أو خمس لوحات، لدينا ضيوف شرف هم الفنانون الأوائل منهم على قيد الحياة منهم الراحلون، هدفنا أن يكون المعرض تقليداً سنوياً، أمّا الأعمال فمن مختلف المدارس الفنية المحلية والعالمية أيضاً، حيث نلاحظ وجود باقة جيدة من مدرسة الفنانة لجينة الأصيل ومنهم خريجو كلية الفنون الجميلة أو من المراكز مثل أدهم إسماعيل، وهناك قسم من مدرسة ممتاز البحرة والمدرسة اليابانية.
ويحدّثنا الفنان رامي الأشهب عن تجربته في هذا المجال، فيقول: أنا أرسم للطفل منذ عشر سنوات، أمّا مع مجلة أسامة فمنذ خمس سنوات فقط، لدي مخزون موروث أشتغل به وعليه، تأثرت بالفنان الراحل ممتاز البحرة كثيراً وكذلك نذير نبعة وإلياس حموي وغسان سباعي، أنا أقرأ النص أكثر من مرة وأركّز على الأحداث المهمة، وأشتغل على لوحتين مطابقتين للحدث والكلمة إضافة إلى خيالي وماذا يعطيني من مكونات النص من المكان والشجر والبشر، سعياً مني إلى تنمية الحس الجمالي لدى الطفل ونقل النص كما هو.
وللفنان عبد الوهاب الرجولة تجربته الخاصة أيضاً، يقول: خضعت لدورات كثيرة متخصصة بالقصص المصورة في إسبانيا، وقدّمت للمجلة لوحات عدة وبعدها بدأت أرسم نوادر مثل نوادر جحا واشتغلت على قصة تاريخية قديمة أيضاً، أرسم بالطريقة البلجيكية التي تختلف كثيراً عن الرسم لدينا، ولعلّ الخط الرفيع أهم مايميّز هذه الطّريقة، موضّحاً: يجب أن تكون اللوحة الموجّهة للطفل واضحة كثيراً من حيث تعابير الوجه والتفاصيل وأن يكون لدى الرسام اطّلاع على مراجع كثيرة بما فيها الأجنبية وأن يتمتع بثقافة عالية أيضاً.
أكثر من عشر سنوات والفنانة رنا قويدر، خريجة فنون جميلة، ترسم للمجلة التي صارت كأسرتها من الصعب التخلي عنها، تضيف: المعرض يقدم طاقة إيجابية فظيعة، وهناك تميز في الأعمال وتجدد من دون التكرار بالأساليب، تربيت على فن الراحل ممتاز البحرة، فنحن نستفيد من كبارنا بمعرفة كيفية قراءة الطفل لانكرر ماقدّموه لأن التعامل صعب جداً ويجب ألّا نتكبر عليه ونقول يجب أن ننزل إلى الطفل، في الحقيقة نحن من يجب أن نصعد إليه ونرتقي إلى مستواه لأنّه يتمتع بأفكار مميزة، أنا مثلاً أسأل طفلي عن كل لوحة أرسمها.
وبالسؤال عن احتمال حصول اختلاف في وجهات النظر بين الفنان والكاتب، يجيب الأشهب: لم يحصل حتّى اليوم أنْ اعترض كاتب النص على لوحاتي، وغالباً ما يكون مسروراً، كما أنني لا أتذكّر أنّي عدّلت على لوحة إلّا مرّة واحدة أو مرتين فقط.
بعد رسم اللوحة المناسبة للنص تذهب إلى الإخراج الفني، وهناك يبدأ العمل الآلي على اللوحة، ويشرح لنا الفنان رامز حاج حسين والمشرف الفني في المجلة: ثورة التقنيات سمحت لنا سحب اللوحة عبر الماسح الضوئي، كما سمحت لنا بإعطاء اللوحة كل مانريد من معايرة لونية وغيرها حتّى نحصل على النّتيجة النّهائية.
وبالسؤال عمّا إذا كانت الآلة تخفض من دقة اللوحات وعن ملاحظات قد يقدمها بعض الفنانين، يجيب حسين: هذا العمل يأتي من تراكم خبرات وثقافة بصرية خاصة بكل شيء، بالتأكيد اللوحة في المعرض مختلفة عنها في المجلة، ففي المجلة هدفنا إيصال روح الفنان إلى آلاف الأطفال، أما بالنسبة للفنانين فيأتينا عتب ولوم أحياناً بسبب خطأ في الإخراج أو الألوان، لكن هذا لايثنينا عن متابعة المسيرة.
اثنان وعشرون عاماً قضاها رامز الحاج حسين في مجلة أسامة تخولّه للحديث عن اختلاف رسامي الأمس عنهم اليوم، يبين: اليوم هناك جيل جديد لديه مصادر مفتوحة أكثر من الجيل القديم الذي كان يعاني مشكلة المراجع، لكن هذا لايخفف من ضرورة أن تكون اللوحة مدروسة دراسة أكاديمية جيداً، يجب توظيف التقنيات وتطويعها لخدمة مجالنا، وموضوع الطّفل وثقافته اليوم مختلفة عن السابق وهذا بالضرورة يؤدّي إلى اختلاف في اللوحة، لكن الهوية البصرية الخاصّة بنا كسوريين حاضرة دائماً.
يجمع الفنانون على أنّ حبّ هوايتهم وحبّ العمل للطفولة ورد الجميل لمجلة أسامة التي كانت رفيقتهم وهم صغار هي سبب استمرارهم، مع تلويح بعضهم بتدني سعر اللوحة، وبالسؤال عن هذا الموضوع وعن خطوات مستقبلية لتطوير هذا الفن وظروف عمله والتعاون مع دول صديقة مثل روسيا، يجيب الدكتور زين الدين: كهيئة عامة نحاول تقديم مانستطيع، رفعنا سعر الرسم والغلاف وأصبحت الأسعار أفضل من قبل، مع ذلك نحن مقصرون تجاه الفنان لكن سنحاول تجاوز كل المعوّقات، مضيفاً: يجب على فنان الطفل أن يطلع على ما هو موجود في البلدان الأخرى، في روسيا مثلاً هناك طريقة مميزة في الرسم للطفل، ومن يتابع عملنا والسلاسل المختلفة التي نصدرها سيرى أننا ننشر رسومات لفنانين من روسيا, طبعاً بعد اتصالي بهم شخصياً وترحيبهم بذلك، وهم يرحبون بذلك، ينبغي أن يكون هناك تعاون وأتمنى مستقبلاً أن يكون بمقدورنا إرسال فنانين للتدرب واكتساب الخبرة.
تشرين

شاهد أيضاً

“معرض باكو الدولي للكتاب” يواصل فعالياته في أذربيجان

شام تايمز – متابعة حتى 8 تشرين الأول/أكتوبر الجاري، تتواصل في العاصمة الأذربيجانية، باكو، فعاليات …