الشريط الإخباري

لكي تصبح شاعراً املأ قلبك بالحب الشاعر محمد منذر لطفي: طويل درب الشعر.. وقصيرة هي الحياة

يحسن انتقاء المفردة ويحسن توظيفها يتميز برونق الحرف وأناقة الكلمة في مجموعاته الخمسة عشرة, ابتداء من أغنية «إلى حبيبي» الصادرة عام ١٩٦٢ وانتهاء بمجموعته «أنا ومروة والحياة» المعدة للطبع, يتصف أسلوبه الشعري بالسلاسة وسهولة التناول والتعبير مع انسيابية واضحة في الجمل والتراكيب الشعرية وكثيراً ما أدهش الحضور في أماسيه الشعرية ليقف ويتركهم يكملون كلمة أو اثنتين في أغلب أبياته وأغلب قصائده.
التقته «تشرين» وكان الحوار الآتي:

بدأت حياتك العملية ضابطاً وخرجت من الخدمة برتبة عقيد. هل كان الشعر ملازماً لك في حياتك هذه أم قبل ذلك؟
الشعر هو هاجسي الأول في هذه الحياة منذ أن أبصرت عيناي النور في الخامس من شباط عام ١٩٣٥ لأنني كنت -بشهادة أمي رحمها الله-كثير المناغاة وأحب ترديد العبارات الجميلة ذات الشحنات الموسيقية ولما بلغت العاشرة وكنت وقتها في الصف الرابع الابتدائي وكان الوقت صباح يوم شتائي بارد استيقظت وخرجت من غرفتي إلى حديقة المنزل التي كانت تضم مجموعة من الأشجار المثمرة والأزهار فإذا بها مغطاة بالثلج فلم أشعر إلا وأنا أتمتم بهذه الأبيات التي كانت أول انطلاقة لي في عالم الشعر:
البرد قارس والنهار كأنه
حلم جميل في زمان الصيف
فالثلج قد هطل العشية إنه
كالقطن أبيض قد أتى في ندف
والطير قد آوى إلى أعشاشه
والريح هزت غابتي في عنف
فأسرعت بالدخول إلى غرفتي لأسجل هذه الأبيات.
وكان لأبي -رحمه الله- فضل كبير في جعلي أحب اللغة العربية والشعر, فقد كان معلماً للغة العربية في مدرسة برهان الترقي الوحيدة في حماة أواخر الاحتلال العثماني لسورية وينظم الشعر ولكن بشكل متواضع فنياً, وهكذا بدأ الشعر يلازمني منذ ذلك الوقت المبكر بما في ذلك حياتي العملية والمهنية التي عشتها ضابطاً طياراً في سلاح الجو العربي السوري.
تمتاز بعذوبة المفردة وسلاسة الأسلوب وسهولته وانسيابيته بمن تأثرت من الشعراء؟
الواقع، إن أسلوبي -كما ذكرت في السؤال- مزيج من عذوبة الألفاظ وسلاسة الأسلوب وسهولة التناول والتعبير مع انسيابية واضحة في الجمل والتراكيب الشعرية ومرد ذلك -وهذا رأيي -إلى عوامل ثلاثة رئيسة هي الآتي:
١ -تكويني الشخصي الإيجابي نتيجة لازمة للبيئة والحياة الجميلة والمستقرة التي عشتها في سن الطفولة والمراهقة والشباب.
٢-تأثري الطاغي بالجمال أياً كان مصدره طبيعة أو أنثى.
٣- أثر شعراء الجمال في مسيرتي الشعرية وهنا بيت القصيد, فهناك أربعة شعراء لهم الفضل في ذلك وبالتالي ترسيخ الروح الجمالية لدي وهم: حامد حسن معروف – نزار قباني – بدوي الجبل – الأخطل الصغير وبخاصة الأول والثاني فأنا مدين لهما بصقل موهبتي الشعرية والمدرسة الجمالية التي أنتمي إليها وأعترف بذلك بكل محبة وإجلال.
أقول من قصيدة (في القلب أنت) التي رثيت بها الشاعر المرحوم نزار قباني والمنشورة في مجموعتي الشعرية رقم ١٣ «الدخول إلى مملكة الحب» الصادرة عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق عام ٢٠٠٦ الآتي :
لم آتِ كي أرثي الذي هزم الردى
بالشعر من فن ومن ألحان
لكن أتيت إليه أقبس جمره
علي أرى رشدا على النيران
من عاش ينسج للصباح رداءه
سيظل شمس الفكر للإنسان
لك لالغيرك في دمشق تألقت
شهب البيان..وضوأ القمران
أنا بعض فنك بعض عطرك والسنى
أنا من عرفت هوى بلا شطآن
قد كنت رباني زمان طفولتي
وتظل رغم كهولتي رباني
من كان مثلك في العطاء فإنه
ضمن الخلود على مدى الأزمان
أنت من هواة ومحترفي الشعر العمودي أود أن أسألك سؤالاً قديماً جديداً..مارأيك في الحداثة؟
لا أعتقد أن هناك حداثة شعرية وقدامة شعرية, فحديث اليوم سيصبح قديم الغد ولكن هناك أسس وتعريفات واضحة لكل فن, فالشعر على سبيل المثال يعتمد على عنصرين اثنين (الشكل والمضمون) وأنا أترك للشاعر حرية التجديد بالشكل ضمن مجال عدم الوصول بالتجديد إلى تحطيم التفعيلة وإلغائها نهائياً, ذلك أن الموسيقا عنصر إيقاعي وجمالي مهم بالنسبة للشعر الشرقي بعامة والعربي منه، وخاصة إذا نظرنا إلى شعرنا المعاصر نرى أنه يعتمد من حيث الشكل على المدرسة الكلاسيكية التي تعتمد «وحدة البحر» والوقوف على النهايات وعلى المدرسة التي تعتمد «وحدة التفعيلة» شكلاً للقصيدة وأنا مؤمن بأصالة المدرستين لأن «التفعيلة» لم تأتِ من فراغ وإنما أتت من البحر الشعري أما بالنسبة للمضمون فأرى أن يعالج الشاعر موضوعات معاصرة بأساليب جديدة, تحمل روح العصر وللشاعر الحق في اختيار الأسلوب الذي يريد شريطة ألا يصل بشعره إلى الإبهام والتهويم.. أما التحلل الكامل من شرطي التفعيلة والقافية المنوعة وبالتالي الوصول إلى ما يسمى قصيدة النثر فهذا خطأ تاريخي كبير, ذلك أنه وفي تاريخنا الشعري العربي منذ الشاعر«المهلهل» و«امرئ القيس» وحتى اليوم لم نرَ أي وحدة اندماحية بين الشعر والنثر كأن يقال قصيدة نثر ولنا أن نقول عن النثر الجيد: إنه أسلوب شعري وجميل ولاداعي لشرح المزيد.
تجاوزت الثمانين من العمر وقد أجريت معك لقاءات عديدة وطرحت عليك أسئلة كثيرة. ماالسؤال الذي تتمنى أن يطرح عليك؟
السؤال الذي أتمنى أن يطرح علي هو الآتي: أي نوع من الجمال ترى أنك تحبه أكثر..جمال الطبي
عة..أم جمال «فينوس»؟
الواقع أنا أحب الجمالين معاً وأرى أنهما متممان لبعضهما بعضاً, ذلك أنني أهوى الطبيعة بكل مفرداتها الجمالية وفي الوقت نفسه أرى نفسي جندياً في مواكب فينوس..ملكة الجمال المتوجة..ولكي تكون النفس الإنسانية شاعرة يجب أن تحب الجمالين ويصبح صاحبها شاعراً مميزاً..وكما قال أرسطو ذات يوم: «لكي تصبح شاعراً مميزاً يجب أن يملأ الحب قلبك» وأعتقد جازماً بأنه قصد حب الجمالين معاً.
بعض الشعراء تخونهم القوافي عند التقدم في السن. .هل عشت هذه الحالة أم إن الشعر مازال مدراراً لديك؟
كنت طياراً أطير بالواقع ولمدة ١٨ عاماً وأطير بالخيال معاً ومازلن وبالرغم من إصابتي بنزيف دماغي عام ٢٠١٤ وعلاجي فإنني مازلت-والحمد لله – أمارس هوايتي الشعرية بصورة صحية حسنة ولا أشكو من أي عامل صحي سلبي سواء بالنسبة للقوافي أو الصياغة أو العروض ومنذ أشهر صدرت لي عن دار الانتشار العربي في بيروت مجموعتي الشعرية رقم ١٤ وهي بعنوان «قمر العاصي»
هل تود أن تقول شيئاً نختم به هذا اللقاء؟
يسعدني أن أختم هذه المقابلة بالكلمة التالية: طويل درب الشعر والإبداع وقصيرة هي الحياة.. فهل في وسعي مع هذا التناقض أن أعطي شعراً ينفع الناس ويمكث في الأرض..؟ لكم أتمنى ذلك ولا أكف عن محاولة القيام به.
مصطفى محمود النعسان
تشرين

شاهد أيضاً

قصائد وجدانية في ثالث أيام المهرجان الشعري برابطة الخريجين الجامعيين في حمص

شام تايمز – متابعة استمر المهرجان الشعري الثالث والثلاثون الذي تنظمه رابطة الخريجين الجامعيين بحمص …