لكنَّ تكريس مبدأ الاعتماد على الذات والبحث الدؤوب عن الاستثمار الأمثل لمواردنا المتاحة، بات ينعكس في مشاريع استراتيجية يتم التأسيس لها لتكون داعماً حقيقياً للاقتصاد المحلي خلال المرحلة المقبلة ولتكون الطاقات المتجددة أحدها باعتباره مشروعاً جديداً يأتي ضمن جملة مشاريع مستقبلية تهدف إلى تخفيض تكاليف الإنتاج وتوفير مصادر الطاقة والمواد الخام على المدى البعيد.
دعم
وفي هذا الخصوص يقول معاون وزير الكهرباء -الدكتور حيان سلمان: وزارة الكهرباء حظيت بدعم حكومي شامل، أولى خطوات هذا المشروع المهم من خلال وضع استراتيجية للطاقات المتجددة حتى 2030، التي من المقرر فيها أن تصل نسبة مساهمة الطاقات المتجددة في ميزات الطاقة إلى 5% من الطلب الكلي على الطاقة الأولية، المتوقع أن يبلغ حوالي /40/ مليون طن مكافئ نفطي، كما ستصل نسبة مساهمة كمية الكهرباء المنتجة سنوياً من المشاريع الكهروضوئية والريحية إلى حوالي 7% من الطلب على الكهرباء المتوقع أن يصل عام 2030 لحوالي 80 مليار كيلو واط ساعي، الأمر الذي سيحقق وفورات وقود تقدر بـ /2/ مليون طن مكافئ نفطي سنوياً، ويؤمن ما لا يقل عن 5 آلاف فرصة عمل، فضلاً عن تخفيض الانبعاثات الضارة بحوالي 6 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، ولا يخفى على أحد أنه لن يكون من السهل تجاوز الآثار الكارثية التي تركتها الحرب الإرهابية على قطاعات الطاقة، وفي مقدمتها قطاعا الكهرباء والنفط بحلول آنية تقتصر على الفترة القريبة.
أضرار
وحسب تقديرات وزارتي الكهرباء والنفط بلغت قيمة أضرار قطاع الكهرباء من جراء الاستهداف الإرهابي الممنهج /4/ تريليونات ليرة، وقطاع النفط /81/ مليار دولار، وهو ما يظهر الحاجة الماسة لتوفير مقومات إطلاق مشاريع استراتيجية قد لا تنعكس نتائجها على أرض الواقع خلال المرحلة الراهنة، على التوازي مع استمرار الجهود الرامية إلى توفير متطلبات صمود اقتصادنا في حربه الضروس، ومن المقرر وفق مذكرة صادرة أعدتها وزارة الكهرباء أنه يتم تنفيذ استراتيجية الطاقات المتجددة عبر مشاريع مفتاح باليد التي ستؤمن /500/ ميغا واط كهروضوئية على ثلاث مراحل تقدر تكلفتها الإجمالية بـ /450/ مليون يورو، و/400/ ميغا واط مزارع ريحية على ثلاث مراحل بتكلفة إجمالية تبلغ /480/ مليون يورو، ومشاريع استثمارية يقوم بها القطاع الخاص والعام والمشترك وتتضمن تخصيص (500) ميغاواط كهروضوئية يتم إعلانها للاستثمار الخاص بأسعار تنافسية و(200) ميغاواط كهروضوئية و(100) ميغاواط ريحية حتى 10 ميغا واط يتم تنفذها من قبل القطاع الخاص على أساس نظام تعرفة التغذية، إضافة إلى مشاريع مستهلكي الكهرباء التي ستؤمن /300/ ميغا واط كهروضوئية ومشاريع السخان الشمسي عن طريق صندوق دعم الطاقات المتجددة.
فعلية
أما فيما يتعلق بالخطوات الفعلية لتطبيق هذه الاستراتيجية التي تم وضعها خلال اجتماع موسع برئاسة رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس مع القائمين على قطاع الكهرباء لترسيخ استراتيجية الدولة للتوسع باستخدام الطاقات المتجددة، فقد أكد سلمان أنه تقرر تعديل التشريعات الناظمة لكل ما يتعلق بالطاقات المتجددة «الشمسية والريحية» لجهة التصنيع والإنتاج والاستثمار والتسويق ومنح قروض طويلة الأجل ومحفزات خاصة بإنشاء معامل إنتاج مستلزمات الطاقات المتجددة وتطوير أساليب التحفيز التي تقدمها الدولة في هذا الاتجاه، إضافة إلى تشجيع الحيازات المنزلية للطاقات المتجددة وإحياء قرض السخان الشمسي ومنحه للمواطن بأجل طويل وتطوير صناعة اللواقط الشمسية ووضع رؤية لاعتماد الطاقة الشمسية في الجهات العامة والمدارس وفي الطاقة المستخدمة بمضخات الآبار الزراعية والمشاريع الريفية ومضخات الوقود واشتراط الطاقات المتجددة عند منح تراخيص الأبنية.
وفيما يتعلق بمشاريع مفتاح باليد سيتم تخصيص مبلغ لا يقل عن 5 مليارات ليرة من عائدات بيع الكهرباء سنوياً، إضافة إلى اعتمادات الخطة الاستثمارية، مع تقديم ضمانات حكومية للتسديد وتأمين القطع الأجنبي ولمدة لا تقل عن سبع سنوات بعد وضع المشاريع في الخدمة، إضافة إلى تقديم دعم حكومي للحصول على قروض ميسرة لمدة لا تقل عن سبع سنوات، في حين ستلتزم وزارة الكهرباء بنظام شراء الكهرباء المنتجة من المشاريع الصغيرة والمتوسطة التي تربط على شبكة التوزيع بأسعار تشجيعية وتخصيص جزء من مبيعات الكهرباء بما لا يقل عن 5% لشراء الكهرباء المنتجة من هذه المشاريع، وتخصيص أراض من أملاك الدولة غير الصالحة للزراعة للمشاريع الكهروضوئية التي تزيد استطاعتها على /5/ ميغاواط مقابل نسبة 1% من كمية الكهرباء.
تساؤلات
هذه الوفورات المتوقعة من تطبيق الاستراتيجية تطرح تساؤلات عدة تتعلق بضرورة إعادة النظر في مصادر الطاقة التقليدية الموجودة لدينا ومدى إمكانية تنويع مصادر الطاقة بما يحقق تعظيم الاستفادة من الموارد المحلية التي تتمتع بصفة الاستدامة والاستقرار في الأسعار وهي سمات تمتاز بها مشروعات إنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة، ولاسيما أن التقدم في تكنولوجيا الطاقة الشمسية مستمر لجعلها أكثر فاعلية من الناحية الاقتصادية، إضافة إلى الانخفاض في تكاليف تركيب مستلزماتها حتى تكاد تنافس تكلفة الكهرباء التقليدية أو المنتجة من الوقود الأحفوري.
وأوضح حيان أن تنفيذ هذه الخطة لا بد من أن يقترن بحزمة خطوات تشجيعية مماثلة لتلك التي تم اتخاذها لتحفيز العملية الإنتاجية في مختلف القطاعات، حيث تتم دراسة مجموعة من المحفزات لتوطين صناعة تجهيزات الطاقة المتجددة، أهمها: منح قروض ميسرة للصناعيين وإعفاؤهم من الضرائب والرسوم مدة لا تزيد على 5 سنوات، وتخصيصهم بالأراضي اللازمة بأسعار تشجيعية أو على أقساط، ومنح ضمان شراء منتجات معامل تصنيع اللواقط مدة 10 سنوات، ومنح ميزة تفضيلية بإضافة (5%) لأسعار شراء الكهرباء من المشاريع التي تشكل فيها نسبة تجهيزات الطاقات المتجددة المصنعة محلياً أكثر من 40%، وتقسيط تكاليف التزويد بالكهرباء للمعامل المصنعة لتجهيزات الطاقات المتجددة على مدى خمس سنوات من دون فوائد، وإعفاؤها من المساهمات. وتم إعداد مشروع قانون لإحداث صندوق دعم الطاقات المتجددة يمول من خلال رسوم على بعض مبيعات المشتقات النفطية والكهرباء، وتقدر قيمة الرسوم المحصلة للصندوق سنوياً بـ8 مليارات ليرة، وتتضمن بعض خدمات الصندوق منح قروض ميسرة مدة لا تزيد على 5 سنوات لتركيب سخان شمسي بقيمة وسطية للسخان /250/ ألف ليرة حيث يغطي الصندوق قيمة الفوائد المستحقة للمصارف وتقديم سخان شمسي مجاني لبعض الشرائح المستهدفة (ذوي الشهداء، جرحى قواتنا المسلحة).
أما فيما يتعلق بالمشاريع التي ستنفذ من قبل مستهلكي الكهرباء في مجال الطاقات المتجددة ورفع كفاءة الطاقة تقوم الاستراتيجية على منح قروض ميسرة للمواطنين الراغبين في تركيب سخان شمسي أو تركيب منظومة كهروضوئية باستطاعة لا تزيد على /5/ كيلوواط، وتطبيق كود العزل الحراري واستخدام الطاقة الشمسية في الأبنية السكنية والخدمية والتعاونية، ودراسة إمكانية تخفيض الرسوم الجمركية على استيراد السيارات الهجينة التي تعمل على مصادر الطاقات المتجددة، وتشجيع تصنيع السيارات الكفوءة طاقياً، إضافة إلى تقديم إعفاءات ضريبية على المعدات المستوردة والمصنعة لأغراض تشييد محطات الغاز الحيوي، ومنح قروض ميسرة بغرض إقامة محطات إنتاج الغاز الحيوي من مصادر النفايات الصلبة. وكما في كل خطوة تقوم بها الحكومة لدعم الإنتاج المحلي، لا بد من أن يحظى القطاع الزراعي بنصيب وافر من هذا الدعم باعتباره صمام أمان اقتصادنا في وجه الأزمات المفروضة عليه، وعليه سيتم التنسيق بين وزارتي الكهرباء والزراعة لوضع برنامج زمني ومادي للتحول بشكل مستدام لاستخدام الطاقات المتجددة (الشمسية – الريحية – الحيوية) لتشغيل الآبار والمراكز الإنتاجية النباتية والحيوانية، والعمل على إدخال مشاريع إنتاج الغاز الحيوي ضمن برنامج مشاريع الطاقات المتجددة والاستفادة من المشاريع الكهرومائية والمشاريع التي تعتمد على الطاقة الحيوية، تحقيق التنمية المستدامة في قطاع الطاقة هو المحرك الأساس والعنصر الفاعل للبدء بأي خطط تنموية على المدى المتوسط والبعيد، ما يتطلب إيجاد سبل واستراتيجيات قوية للتحول إلى اقتصاديات الطاقة المتجددة وتشجيع الاستثمار في هذا المجال عبر وضع برامج زمنية محددة والالتزام بها وتوفير التسهيلات اللازمة لإنجاح هذه الاستراتيجية.

مركزان الخليل