الشريط الإخباري

على إيقاع بنفسجٍ بعيد الفنان التشكيلي علي حسين يصوغ أحلامه على الوشاح الأبيض للنساء الأنيقات

يرسم علي حسين؛ بأسلوب ما أطلق عليه في الرواية ولزمنٍ طويل «الواقعية السحرية»، وحتى الواقعية الوحشية أيضاً، بمعنى ثمة الكثير من الوضوح الشاعري في التفاصيل، أو التركيز والتعويل على اللون الصرف ليحمّله جماليات اللوحة، والتأكيد على التشخيص لكنه ليس التشخيص الواقعي البحت، وإنما الذي يذهب إلى التحوير والاختزال بما يُقارب المجاز في النص الشعري، أو التعويل على الرمز ليزيد من مساحة الفضاء البصري المُتاح.. يرسم علي حسين الروح – رغم تركيزه الشديد على الشكل – وأنتَ تتمعن رسومه في صالة (ألف نون) في دمشق حيث يقيم معرضه؛ تشعر كيف تشف روحك وترتقي لسابع سماءٍ من الإحساس بالجمال والنبل والأناقة.
كرم الأزرق
الوضوح في التفاصيل التي غالباً لا تأتي مختزلة أو مُختصرة، وإنما تأتي بذلك التكثيف الجمالي، وهو بالتأكيد غير الاختزال وضوح ولاسيما لجهة الألوان أو لجهة التأكيد على «الاحتفالية» في اللوحة.. علي حسين يحتفل بلوحته، يُقيم حفلة ألوان، فيكثر من الأزرق الذي يشف صوب البنفسجي والأخضر والأحمر المعتقين أحياناً، أو قل هو يحتفي من خلال ذلك التجاور اللوني وأحياناً التمازج اللوني بالمرأة التي هي حامل لكل جماليات شغله الفني، والاحتفاء هنا ليس بالمعنى الإيروسي، بقدر ما هو الاحتفاء بها كعنصر جمالي قلما تخلو منها لوحة من لوحات هذا المعرض، الاحتفالية التي أكثر ما تظهر في هذا الإبهار اللوني وفي التجسيد والتشخيص، والكرم في اللون ولاسيما الأزرق منه، وحتى في ضوء اللوحة وهوائها، و.. يُوقع كل ذلك بأسلوبية ميزتها الأساسية «الأناقة».. نعم الفنان التشكيلي علي حسين يُقدم لوحة أنيقة هاجسها الأول المتعة الجمالية البصرية، وأظن أنه هاجس أي عمل إبداعي؛ «المتعة» سواء المتعة البصرية، أو المتعة الفكرية، في لوحة علي حسين تبدو المتعة البصرية هي الغالبة وذلك للمنحى الذي أخذ به لوحته والتي هي «الأناقة» الميزة التي كادت أن تُشكّل الملمح الأهم في لوحة الفنان ويجتهد عليها لتُفارق شغله في المشهد التشكيلي السوري وتُمايزه عنه إلى حدٍّ كبير..
لوحة تكاد تكون خشبة مسرح، أو شاشة سينما؛ يعرض على خشبته المرأة، أو نساء ليُجسدن حلمه وكل رموزه بمنتهى الغنائية المفعمة موسيقا.. موسيقا اللون والخط والضوء وحتى مد الكتلة التي غالباً ما يُعطيها الفضاءات الواسعة.. غنائية تذهب بعيداً في الرهافة والشاعرية، هل من هنا نُفسرّ لماذا أطلق الفنان علي حسين على معرضه (حلم) ومن ثم كثرة هؤلاء النسوة العازفات الحالمات تماماً كغانياتِ معبدٍ قديم..
من على سطحِ بيتٍ قديم
يشتغل الفنان علي حسين على لوحة تمدُّ لسانها في وجه القباحة والحرب والخراب، ومن ثمّ كان مُعادله الفني لكل ما جرى ويجري في سورية بإنتاج الكثير من الجمال يقول في هذا المجال: «حلم.. لم أترددُ لحظةً واحدة في تسمية معرضي الذي أنجزت أغلب أعماله في أحلك الظروف وأقساها، والتي كانت بعيدة كل البعد عن حالة الحلم والرومانسية التي تمشيه شخوص لوحاتي، ولذلك كان لابدّ من وسيلة للدفاع عن الروح التي كسرتها الأحداث المؤلمة، ولكي أستطيع أن أعود لفرشاتي وألواني؛ كانت ذاكرتي هي السبيل الوحيد للخروج من هذا الواقع..»
هذا الحلم المفعم بالرومانسية؛ يستمده علي حسين إذاً من ذاكرة بعيدة، ذاكرة أشبه بملجأ يقيه قذائف البشاعة والخراب، ذاكرة لاتزال عامرة بجماليات قديمة، جماليات يعود إليها الفنان حسين ليُعمّر من ملامحها بناء لوحة شاعرية يذكر: «يكفي أن أغمض عيني، وأعود عشرات السنين إلى الوراء طفلاً أحمل مذياعي الصغير، وأصعد على سطح بيتنا القديم في عتمة ليلٍ صيفيٍّ جميل، ومن ثم كنتُ أستلقي على بساط عتيق أفقدته الشمس ألوانه، وأتأمل السماء والقمر والنجوم، وتلك الزرقة التي لم تُفارق مخيلتي أبداً، وأنا أبحث في المذياع عن صوت فيروز وعبد الحليم حافظ..»
بنفسج وناي حزين
إذاً من تلك الزرقة البعيدة التي تشيعُ الأحلام في لوحة علي حسين؛ يستمد باعثه والذي قلما تخلو منها لوحة في هذا المعرض، أزرق يأتي مُفعماً كحلم، الأزرق الذي قلما نجا فنان تشكيلي سوري من سطوته، ومن إغرائه حتى بات اليوم يُشكل ملمحاً جمالياً في اللوحة التشكيلية السورية، ومن هنا نتفهم لماذا أطلقت عليها إحدى الصحف الفرنسية ذات حين؛ إنه لون سورية، هذا اللون الذي يحمل كماً هائلاً من الميثيولوجيا السورية، تبدأ من ثوب السيدة العذراء مريم بتلك النيلية المقدسة، وحتى ذلك الخط الأزرق في البيوت الطينية القديمة في الساحل السوري، إلى لازورد أوغاريت، ولن ينتهي عند كل الخرز الزرقاء.. أزرق يزيد في رومانسية أحلام النساء الحالمات الناعسات، والمغمضات العيون، نساء يتعدد ظهورهنّ في اللوحة من امرأة واحدة، إلى ثلاث نساء أحياناً.. امرأة يقف على رأسها الطير، أو تعزف على ناي مقطوع من غابة قصب عتيقة على ضفة نهر.. حتى إن اختيار الناي وليس سواها من آلات موسيقية؛ كل ذلك لتأكيد غاية اللوحة الجمالية الغارقة في الحلم والشاعرية.. الناي التي هي الأخرى لها وقعها في الذائقة الجمعية السورية، ولها حمولاتها الميثيولوجية القديمة والتي تآزر الأزرق لتأدية مهامه الجمالية الحلمية.. ذلك لأن حلم هو الموضوع الذي استحوذ على أغلب أعمال المعرض بما فيها اللوحات التي اتجهت صوب العمارة، يقول الفنان في هذا المجال: «منذ سنين طويلة جداً ليس مجرد حالة رومانسية عابرة أعيشها خلال إنجاز أعمالي وحسب، بل هي حالة مُشبعة بذاكرة المكان وتفاصيله.. تلك الذاكرة التي تُنجيني من حالات السأم والألم والحزن..»
الألوان الغنائية
نساء رغم كل ما يُظن أنّ ثمة حزناً يشعُّ من وجوهن الغامضة، أو محاولات إغماض العيون حتى لا يقرأ الملتقي ما تُخبئه جوانياتهن، غير أنه من ذلك الحزن النبيل الهادئ والساحر، الذي يبعث فرحاً دافئاً من الجهة الأخرى، وهنا تبدو المواربة أو اللعبة الفنية ولاسيما عندما يذهب بأزرق النساء صوب البنفسج، فتصير اللوحة حلماً ليلياً ملوّناً مع عازفة أقرب إلى الأيقونة، وكثيراً ما كانت لوحة علي حسين تُقارب الأيقونة في الكثير من الملامح بتلك النظرة الحانية والاطمئنان الذي يشعُّ من الوجوه، وكذلك في تحميل الألوان مهمات رمزية لشرح حالات إنسانية، حتى إنه في بعض لوحات البورتريه؛ لا ينسى علي حسين أن يضع هالات النور حول رؤوس شخصيات لوحاته تماماً كما يفعل رسّام الأيقونة..
نساء علي حسين، هادئات مطمئنات متشحات في كثير من الأحيان بوشاحٍ أبيض يزيد في هذه الحالة الرومانسية الحلمية التي تحاول أن تُقارب قداسة ما، تظن إنهن صامتات باعتباره يُقدمهن تماماً كنساء في نقش فرعوني ولاسيما لجهة الأكتاف المشدودة، لكن في نظرة تأمل وتأويل؛ سيحصل المتلقي على سيمفونية لونية مُفعمة بمختلف أنواع الجمال..
علي الراعي
تشرين

شاهد أيضاً

“ماغي بو غصن” تشارك في ندوة “تأثير الدراما على حياة المرأة”

شام تايمز- متابعة شاركت الممثلة اللبنانية “ماغي بو غصن” في ندوة  حوارية خاصة  عقدت،أمس الثلاثاء، …