الحساسية الإنسانية العالية لفضاءات معينة الروائية فائزة الداؤود: الأعمال الإبداعية الكبرى مدينة للمكان الأول الذي عرفه المبدع

ليس جديداً القول: إن المكان في الأعمال الروائية لا يقلّ أهميةً عن الأبطال الفاعلين فيما يعدّ في الإبداع السردي على تنوعه، وأول أثافي الوحدات الأساسية لبنية النص الفنية، «المكان، الزمان، الشخصيات الصانعة للحدث»، وإذا اعتمدنا الرأيين السابقين يحق لنا أن نتساءل: إن كان مجرد وجود هذا البطل يكفي لينال الفضاء شرف رئاسة النص أو ليكون أحد أهم الوحدات التي يتكئ عليها السرد، أم ثمة شروط يجب توافرها لينال المكان هذا الامتياز، وماذا عن الإحساس والتفاعل أو الحميمية أو ما سماه باشلار «الطوبوفيليا»؟
عن المكان وأهميته ودلالاته في النص الإبداعي ألقت الكاتبة فائزة الداؤود مؤخراً محاضرة جاءت تحت عنوان «الطوبوفيليا وعناصر الطبيعة الأربعة»، وذلك في جمعية بانياس الثقافية أكدت فيها أن الحالة الحميمية بما يخص المكان هي حالة لا يمكن افتعالها أو التظاهر بها لأنها عدا عن كونها تنبع من حالة حب صادقة وعفوية فهي كذلك علاقة حنين لا تخبو نارها بمرور السنين، بل على العكس تزداد تأججاً وحرارة ومن دونها وبرغم توافر ماديات المكان لن يكون الأخير بطلاً، وإذا اعتمدنا الترجمة الحرفية لمصطلح «الطوبوفيليا»، علمنا أنه يعني الحب للمكان أو محبة المكان، وهذا الحب متعلق بمصطلح «البوجرافيا» الذي يعني الحساسية الإنسانية العالية لأماكن وفضاءات معينة.
وأشارت الداؤود إلى أن الذاكرة البشرية هي ذاكرة انتقائية تبقي على أمور أو صور بعينها وترمي ما عداها، وهي لا تختار مسكناً أو اسماً مألوفاً بل تكون الذكريات انتقائية، والمكان كان موضوعاً حميماً لأنه كان بيئة مناسبة للجسد وأفكاره وأمنياته وقد يستعاد من خلال الذاكرة لأنها إحدى أدوات الاستدعاء.
وعن المكان في النص الإبداعي وما فضاءاته؟ ترى صاحبة «طريق العودة» أن الموضوع يتعلق بالمبدع فقط ومدى قدرته على التحليق بالمكان، وتحويل أبسط الأشياء إلى عالم عجائبي ومدهش، يغني النص، وهذا يعني أن يقيم نظريته عن الخيال المادي بإقصاء القوالب المتداولة والمتعارف عليها في الواقع الشعبي المعيش التي أضفى عليها طول الاستعمال والتكرار طابعاً آلياً صرفاً ومن ثم دفعه بنفس مرهفة وشفافة ورقيقة، فيمكن من صياغة الجانب الآخر من الخيال وهو ما يسمى خيال الحركة، وتؤكد صاحبة «العرمط» أن الأديب لن يستطيع أن يخوض في المكان بخيال بعيداً عن الطوبوفيليا، والواقع المادي البسيط الذي تمثله عناصر الطبيعة الأربعة «الماء، الهواء، النار، التراب»، لذا يجب عليه أن يشتغل بحب على تحولات هذه العناصر الأربعة البسيطة لتخرج إلينا بفضاء روائي يبدو كأنه حقيقي، فعلاقة الإنسان بعناصر الطبيعة الأربعة وتشكلاتها تبدو عند المبدع من خلال نصوصه أو أشعاره كبيت أليف ولد في إحدى زواياه وعاش فيه أو من خلال الشوارع والأزقة التي عرفت مشاكساته وغرامياته الأولى.
وتشير صاحبة «جنة عدم» إلى ما يراه علماء النفس من أن مرحلة الطفولة في حياة الإنسان هي أكثر المراحل قدرة على تسجيل صور الأماكن، لافتة إلى أن الذاكرة الطفلية تحتفظ ربما طوال الحياة بالأحداث الهامة، كما أن علاقة الإنسان بعناصر الطبيعة الأربعة وتشكيلاتها، تبدو عند المبدع من خلال نصوصه الروائية كانت أو القصصية وربما الشعرية.
ويرى باشلار، والكلام لصاحبة «رجل لكل الأزمنة» أن القياسات الهندسية والمساحات ما هي إلا لأماكن حميمة عرفها الإنسان في طفولته ومراهقته وهي على الأغلب لزوايا أو منعطفات مكان عاش فيه الأديب على تنوعاته «بيت، قرية، حي، مدينة، وطن».
وبعيداً عن رأي باشلار تختم الروائية فائزة الداؤود محاضرتها مؤكدة أن الأعمال الإبداعية الكبرى مدينة في جانب كبير منها إلى حالة العشق الكبير للمكان الأول الذي عرف فيه المبدع الخطوات الأولى والحروف الأولى الذي أطلق عليه مصطلح «الطوبوفيليا»، وهذه الحميمية مدينة بكل تفاصيلها لمرحلة الطفولة.

ثناء عليان
تشرين

شاهد أيضاً

ماهو لغز سرقة فيلا الفنانة “غادة عبد الرازق”؟

شام تايمز – متابعة تمكّنت الأجهزة الأمنية في مصر من كشف غموض وملابسات سرقة فيلا …