مآثر المسمار كعـنصر اقتصادي!

من الطريف أن نجد أن «المسمار» تلك الأداة الصغيرة، قد لعبت أدواراً خطيرة في الإنشاءات – كما في التراث.
ففي فجر الحضارة بالعهد السومري مكّن من صياغة أول نوع من الحروف والكلمات الصوتية، وذلك بدمغ المسمار على الألواح الطينية بأشكال واتجاهات مختلفة تعطي في الأخير كلمات صوتية؛ وهي أولى حروف عرفها الإنسان قبل ألوف السنين: الكتابة المسمارية.
تعـريفاً: المِسْمار أو الدُسار في مجالات الهندسة، والنجارة والبناء، هو دبوس معدني حاد الشكل، عادة من الصلب، ويستخدم لأغراض متخصصة من الصلب غير القابل للصدأ، وعادة ما تدفع المسامير بمطرقة أو بمدفع هواء مضغوط .
تصنع المسامير في مجموعة كبيرة ومتنوعة من الأشكال لأغراض متخصصة؛ ويتم استخدام المسامير في المنشآت لوصل العناصر الإنشائية مع بعضها, وعدد المسامير المطلوب للوصلة يحسب بتقسيم القوة المؤثرة في نقطة الوصل على قوة تحمل المسمار الواحد للقص.
وقد ورد ذكر المساميرُ في القرآن بلفظ «دُسُر» والدسر جمع دِسار، وهو المسمار.
وقد لعب المسمار دوراً في كلام العراقيين, تسمعهم يقولون هذا مسمار ضربني به فلان ويكفيك تهجماً بمساميرك عني! (بالسوري الشامي: حفرلو «برغـي»)!
ويقال للتهكم ((الليرة المعـدنية لم تفقد بواسطة التضخم قيمتها؛ فمازال بإمكاننا استخدامها محل مفك البراغـي))!
جماعـة الاقتصاد يقدرون الأرقام؛ وهم يقولون: «شرح ميزانية شركة باستخدام الكلمات فقط؛ كمحاولة حفر بئر بمسمار»!
ومن الحكايات الفولكلورية حكاية الأب وابنه الشرير, وقد أوردها الكاتب اليهودي، سلمان دوبي، في كتابه «هاي هي القصة تفضلوا اسمعوها».
وتروي الحكاية الشعبية العراقية حكاية الأب الذي ضاق ذرعاً بأفعال ابنه الشرير. فلم يجد ما يبثّ فيه معاناته بغير استعمال قطعة خشب, راح يدق فيها مسماراً عن كل فعل شرير يقوم به ولده حتى امتلأت الخشبة بالمسامير, وعندما قام الابن بفعل شرير آخر قال له والده: لقد امتلأ لوح الخشب بالمسامير ولم أعد أعرف أين أدق هذا المسمار الجديد, تعجب الولد لسماع ذلك ففرَّجــه الأب على اللوحة، فصعق الابن مما رأى, وعقد العزم على تصحيح سلوكه. فكثيراً ما يعي الإنسان أبعاد سلوكه عندما يراه مجسماً وملموساً أمامه. قال الولد: أبتاه، أعاهدك أن أغير سلوكي, ماذا تفعل بهذه اللوحة وما علق بها من مسامير؟ أجابه الوالد: سأخلع مسماراً عن كل فعل خير تقوم به! ودأب الولد على أفعاله الطيبة والوالد يخلع مسماراً من اللوحة أتى ذلك حتى لم يبقَ على اللوحة أي مسمار. قال لوالده: انظر يا أبتي لم يعد هناك أي مسمار على اللوحة.
فقال له الأب: لكن انظر جيداً يا ولدي لتجد كل هذه الثقوب التي خلفتها المسامير؛ لقد ذهبت مسامير الشر، لكن آثارها ستبقى!
ولاننسى في هذا السياق: حكاية مسمار جحا. قالوا إن جحا أفلس واضطر لبيع داره، لكنه اشترط على المشتري أن يستثني من البيع مسماراً في البيت, فوافق المشتري، لكنه سرعان ما ندم حين لاحظ أن في كل ليلة ممطرة يأتي جحا ويدخل البيت ليسهر على «سلامة مسماره», يجلس تحته أو ينام بحجة المسمار.
وقد نالت هذه الحكاية أبعاداً اقتصادية وسياسية في عصرنا هذا, فأثناء المفاوضات على الجلاء عن مصر اشترط الإنجليز الجلاء عن عموم مصر مع الاحتفاظ بقاعدة السويس العسكرية (وهدفهم إبقاء سيطرتهم عـلى قناة السويس), فرددت الصحافة المصرية تقول: إن هذه ستكون مسمار جحا نعطي الإنجليز حق الرجوع إلى السويس بحجة حرصهم على سلامة القاعدة, وهكذا أصبح القوم في عموم العالم العربي يرددون حكاية مسمار جحا في سائر المناسبات.
وهنا نذكر مسمار القدم: هو نسيج صلب يتكون في القدم، وهو نسيج أو بروز لحمي ينمو على قمم الأقدام وبين جوانب أصابع القدم، ويتكون من خلايا جلدية قاسية تتراكم على الجلد، يبدو على شكل بثور سطحية, أسباب ظهوره انتعال الأحذية الضيقة ذات الكعب العالي أو القاسية؛ السير على الأرض الصلبة؛ عدم ارتداء الجوارب عند انتعال الأحذية.
الكل يذكر خدعة «غـوار الطوشة» برمي المسامير بالشارع؛ لتشغـيل محله الذي يصلـح دواليب السيارات!
والآن: نصيحة للنجارين.. كيف تنقذ أصابعـك من المطرقة عـند طرق المسمار؟ أمسك المطرقة بكلتا يديك..!
أذكر أنني قرأت عـن شركة مسامير فولاذية في أمريكا؛ استخدمت إعـلاناً مقيتاً للترويج لبضاعـتها؛ أدت إلى إفلاسها؛ ففي الفيلم صورة للسيد المسيح مصلوباً؛ مع عـبارة «مساميرنا قادرة عـلى القيام بأي مهمة»!
هنالك مثل سوري قديم – عن المثابرة – «مابيدخل المسمار بالحيط إلا من كتر الدق اللي وراااه!»..
لا تُنسى من ذاكرتي؛ صورة معـبـرة فيها مطرقة.. وعـدة مسامير منحنية؛ وواحد مستقيم مع تعـليق: «المستقيم في هذه الحياة هو الذي يتلقى أكبر مقدار من الطرق» ! أليس كذلك؟؟

د.سعد بساطة

شاهد أيضاً

اكتشاف عامل خطر مرتبط بارتفاع الإصابة بمرض باركنسون

شام تايمز- متابعة وجدت دراسة جديدة أن خطر الإصابة بمرض باركنسون أعلى بمرتين على الأقل …