بيان السفير د. بشار الجعفري في جلسة مجلس الأمن حول العملية السياسية في الجمهورية العربية السورية

شكراً السيد الرئيس،

أجدد لكم، باسم بلادي الجمهورية العربية السورية، التعبير عن اعتزازنا بالرئاسة الروسية لمجلس الأمن، ونحن مؤمنون بأن تزامن الإعلان عن إنجاز تشكيل اللجنة الدستورية مع رئاستكم للمجلس، يؤكد مجدداً دور بلادكم الهام في السعي لإرساء السلم والأمن الدوليين وإعلاء مبادئ القانون الدولي وأحكام الميثاق وفي مقدمتها مبادئ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول.

السيد الرئيس،

لقد نجحت الحكومة السورية، بالتنسيق الوثيق مع الأصدقاء في روسيا وإيران، وبالتعاون مع المبعوث الخاص للأمين العام السيد غير بيدرسون، في التوصل إلى إنجاز تشكيل اللجنة الدستورية التي أعلن عنها معالي الأمين العام للأمم المتحدة، وفي الاتفاق على مرجعيات وأسس عملها بملكية وقيادة سورية بعيداً عن أي تدخل خارجي. إن هذا النجاح في تشكيل اللجنة الدستورية هو نجاح وطني سوري بامتياز تجاوز كل المعوقات التي وضعتها حكومات الدول المعادية لسوريا لإطالة أمد الأزمة وعرقلة الحل السياسي. إن تصميم سورية على تشكيل لجنة مناقشة الدستور، بمتابعةٍ حثيثة من قبل السيد رئيس الجمهورية، هو الأمر الذي أسهم في تحقيق هذا الإنجاز الوطني الهام للشعب السوري. أقول هذا الكلام لأننا نعرف جميعاً ماذا يقول المثل المشهور أن النصر له العديد من الآباء أما الهزيمة فهي يتيمة.

وحيث أن الدستور هو التشريع الأسمى الذي يعبر عن تطلعات كل شعبٍ من شعوب العالم، ويحدد رؤاه وخياراته الوطنية السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، فإن الملكية الوطنية للدستور هي حجر زاويته وجوهر بنيانه. إن السوريين وحدهم هم من يملك الحق الحصري في مناقشة دستورهم الوطني واعتماده بإرادتهم الحرة، دون أي تدخلٍ خارجي أو شروط مسبقة أو ممارسات ابتزاز تسعى لتحقيقها الأطراف والحكومات التي راهنت على زعزعة أمن واستقرار سوريا، وتدمير ونهب مقدراتها، وانتهاك سيادتها والمساس باستقلال قرارها الوطني، عبر الاستثمار في الإرهاب بكل أشكاله السياسية والعسكرية والاقتصادية.

السيد الرئيس، السادة الزملاء،

إن سوريا قديمة قدم التاريخ نفسه، فقبر جدنا المشترك هابيل موجود في ضواحي دمشق، وأوغاريت السورية قدمت للعالم أول أبجدية في العالم عام 1700 قبل الميلاد، والحقوقي السوري ايميليوس بابنيان الذي ولد في حمص في العام 142 ميلادي والذي ينتصب تمثاله حتى أيامنا هذه في قصر العدل في روما، كان من ضمن الفقهاء السوريين الخمسة الذين صاغت تشريعاتهم القانونية 80% من مدونات جوستينيان في القانون. والمهندس أبولودور الدمشقي الذي ولد في دمشق العام 60 للميلاد هو أعظم المعماريين في التاريخ البشري وهو الذي صمم الجسر العظيم فوق نهر الدانوب. وأقول هذا الكلام لكي يعرف الجميع أننا لسنا مبتدئين لا في السياسة ولا في التاريخ ولا في القانون ولا في الاقتصاد.

السيد الرئيس،     

واصلت حكومة الجمهورية العربية السورية المشاركة في اجتماعات استانا باعتبارها إطاراً حقق نتائج ملموسة على الأرض، كما تعاطت بكل إيجابية مع مخرجات مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي والمتمثلة بالاتفاق على إنشاء لجنة لمناقشة الدستور. ولقد تبلورت هذه الإيجابية بشكل واضح في الاتفاق مع المبعوث الخاص على مرجعيات وقواعد الإجراءات المتعلقة باللجنة الدستورية، حيث اتفقنا على المبادئ الناظمة لعملها، وفي مقدمتها عدم المساس بمبدأ الالتزام الكامل والقوي بسيادة الجمهورية العربية السورية واستقلالها ووحدتها أرضاً وشعباً، والملكية والقيادة السورية للعملية السياسية، وألا يتم فرض أي شروط أو استنتاجات مسبقة بشأن عمل اللجنة ولا على التوصيات التي يمكن أن تخرج بها. فهذه اللجنة سيدة أدائها وقرارها، وليس لأي دولة ولا لأي طرف آخر، ولا سيما ما يسمى بـ “المجموعة المصغرة”، أن يتدخل في عمل هذه اللجنة سواء من بابها أو من نافذتها. كما اتفقنا أيضاً على عدم فرض أي مهل أو جداول زمنية لعمل اللجنة، وأن يكون كل تحركٍ مدروساً وواضحاً، باعتبار أن الدستور سيحدد مستقبل سورية لأجيال قادمة. والسيد غير بيدرسون، المبعوث الخاص لمعالي الأمين العام، يدرك هذه الحقائق تماماً..

إننا في الجمهورية العربية السورية حريصون كل الحرص على تحقيق التقدم في المسار السياسي بناءً على أسس سليمة تحقق تطلعات الشعب السوري. وسيتمثل دور المبعوث الخاص إلى سورية في تيسير عمل اللجنة، وتقريب وجهات النظر بين الأعضاء من خلال بذل مساعيه الحميدة عند الحاجة، وقد كرر على مسامعكم هذا الكلام في بيانه الافتتاحي. وبناءً على ما سبق، نعيد التأكيد على استعدادنا للعمل النشط مع الدول الصديقة ومع المبعوث الخاص لإطلاق عمل هذه اللجنة.

ونحن بانتظار الزيارة التي سيقوم بها المبعوث الخاص إلى دمشق بعد أيام للتحضير المشترك مع الدولة السورية لعقد الاجتماع الأول للجنة الدستورية، ولتنسيق الخطوات الكفيلة بخروج اللجنة بمخرجات جادة تلبي تطلعات الشعب السوري.

السيد الرئيس،

في الوقت الذي تؤكد فيه حكومة بلادي استعدادها للانخراط الإيجابي في أعمال هذه اللجنة، فإنها تستند في مقارباتها للواقعية والمسؤولية، وتدرك أن مسار العملية السياسية لن يكون معبداً بالورود. إن ذاكرة هذا المجلس تردد صدى ما كنا نحن وغيرنا من الدول الأعضاء نحذر منه، في هذا المجلس بالذات، من إطلاق يد البعض في العبث بأحكام الميثاق ومبادئ القانون الدولي كما كان عليه الحال بالنسبة لغزو العراق وتدمير ليبيا. إن أهم ما تحتاجه دولنا هو إخماد لهيب كرة النار التي سعى البعض لدحرجتها في منطقتنا على مدى عقود من الزمن لزعزعة أمنها واستقرارها ونهب مقدراتها وتشريد شعوبها.  على الرغم من كل ذلك فإننا نبقى واثقين بقدراتنا الوطنية وبدعم ومساعدة الأصدقاء والحلفاء الذين يريدون الخير والاستقرار لسورية والمنطقة والعالم، ويرفضون التدخل الخارجي في شؤونها، ويتمسكون بالعملية السياسية بملكية وقيادة سورية حصرية.

إننا نتطلع للعمل مع شركاء وطنيين مخلصين يسعون إلى شراكةٍ حقيقية في بناء مستقبل الدولة السورية، ويلتزمون بمصلحة الشعب السوري العليا وبسيادة واستقلال الجمهورية العربية السورية ووحدة وسلامة أراضيها. ولا نريد شركاء وهميين يسعون لفرض أجندات مشغليهم أو شروط خارجية تدخلية وتبرير أعمال العدوان والاحتلال والإرهاب تحت أي مسمى كان.

نعم، نقول بكل وضوحٍ، إننا نتطلع إلى العمل مع شركاء وطنيين حقيقيين يتصدون لسياسات وممارسات حكومات الدول المعروفة التي تسعى حتى اليوم لفرض إرادتها على حساب القرار الوطني السوري عبر دعم الإرهاب والميليشيات الانفصالية المسماة “قسد”، واستغلال منبر مجلس الأمن للإساءة للحكومة السورية وحلفائها، وكذلك عبر الاستمرار في فرض الإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب على الشعب السوري، والسعي لعرقلة عملية إعادة الإعمار ومنع عودة اللاجئين والمهجرين السوريين إلى مدنهم وبيوتهم. وأقول لمن تباكى على المدنيين السوريين من هنا وهناك أنه حتى الآن ممنوع إدخال أجهزة الرنين المغناطيسي والتصوير الإشعاعي إلى سورية، ممنوع، طلبنا من منظمة الصحة العالمية أن ترسل لنا بعض هذه الأجهزة فقالت لا أستطيع لأن هناك من يعارض من الدول النافذة إرسال هذه الأجهزة الطبية. أجهزة طبية ممنوع إدخالها إلى سوريا! وهناك من يتباكى على المدنيين في هذا المجلس!

السيد الرئيس،

إن نجاح أي مسار سياسي في سورية يتطلب إنهاء تواجد القوات الأجنبية الأمريكية والبريطانية والفرنسية والتركية غير الشرعي فوق الأراضي السورية.. وإن إيماننا بضرورة المضي قُدماً في العملية السياسية، لا يعني بأي حال من الأحوال تخلينا عن حقنا والتزامنا الدستوري بتحرير كل شبرٍ من أراضينا من الإرهاب ومن التواجد العسكري غير الشرعي.

وستواصل الجمهورية العربية السورية العمل بشكل متزامن على عدة مسارات تتمثل بمسار الحل السياسي، ومكافحة الإرهاب والوجود الأجنبي اللاشرعي، وإرساء المزيد من المصالحات الوطنية، وإعادة إعمار ما دمره الإرهاب والتحالف الدولي معتمدة في ذلك على إمكانياتها الذاتية ودعم حلفائها الحقيقيين.

أما ما يريده السوريون منكم اليوم من أجل دعم تحقيق حلٍ سياسيٍ جاد ومستدام، فهو دعم جهودنا مع حلفائنا لمكافحة الإرهاب وتجفيف منابع دعمه وتمويله، ووضع حدٍ للإجراءات الاقتصادية القسرية أحادية الجانب التي تفرضها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وحكوماتٌ أخرى على الشعب السوري.

ختاماً، السيد الرئيس، يلفت وفد بلادي عناية كل من دعم تشكيل اللجنة الدستورية إلى أن أعداء مسار التسوية هذا لن يتخلوا عن توظيف أي خيار أو خيال غير علمي لديهم لعرقلة أعمالها، وهو ما تجلى، وبمجرد الإعلان عن تشكيل اللجنة، في الترويج لأكاذيب وافتراءات كتلك التي سمعنا عنها قبل يومين والمتعلقة باتهام الحكومة السورية باستخدام مواد كيمياوية كأسلحة ضد مواطنيها. ونؤكد أن من يسعى لعرقلة عمل اللجنة الدستورية يتحمل مسؤولية أفعاله، وأن التوصل إلى مخرجات جادة للجنة مناقشة الدستور يستلزم توقف حكومات الدول المعروفة عن ممارساتها العدوانية وعن فبركة الاتهامات والأكاذيب وكذلك عن محاولة إقحام نفسها في شؤون سورية الداخلية. إننا لا نتجنى على أحد، ذلك أنه، وقبل أن يجف حبر رسالة الأمين العام المرسلة إليكم قبل يومين والصادرة بالوثيقة S/2019/775 والمتضمنة لمرجعيات وقواعد إجراءات اللجنة الدستورية، خرج علينا البعض بأفكار ومقترحات جديدة تتعارض مع الاتفاق الذي جرى بين الحكومة السورية والأمين العام، وذلك بهدف التشويش على هذا الإنجاز حتى قبل انطلاق أعمال هذه اللجنة الهامة…..

   شكراً السيد الرئيس.

شاهد أيضاً

استشهاد الرئيس الإيراني والوفد المرافق له

شام تايمز – متابعة أعلنت وكالة الأنباء الإيرانية، صباح اليوم، استشهاد الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” …