الشريط الإخباري

« الرجل الذي لم يوقّع » شـعبان: نحن بحاجة لإعادة كتابة تاريخنا لأنه مملوء بالعموميات وتنقصه الدقة

«في إحدى المقابلات التي أعطيتها لصحيفة أجنبية سألني الصحفي ماهو التحدي الأكثر صعوبة الذي واجهته في حياتك؟ فأجبته: الورقة البيضاء والقلم عليها هو أكبر تحدٍ، وكل كاتب حقيقي يدرك أن الكلمة الأولى والسطر الأول والصفحة الأولى هو أساس العمل الذي يقوم به وأصعب مايمكن أن يكتبه»، بهذه الكلمات ابتدأت الدكتورة بثينة شعبان -المستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية كلمتها خلال الندوة الحوارية التي أقيمت بمناسبة صدور كتاب «الرجل الذي لم يوقّع» في مكتبة الأسد الوطنية وضمن الفعّاليات الثّقافية المرافقة لمعرض الكتاب بدورته الحادية والثّلاثين، مضيفةً: شعرت بهذا في الثّمانينيات عندما بدأت كتابة كتابي «باليمين والشمال.. النساء العربيات يتحدثن عن أنفسهن»، وحين قدمت جزءاً من الكتاب للناشرة الإنكليزية قالت لي هذا هو الكتاب الذي أحبّ أن أقرأه، لذلك سأوقع معك عقداً، وهذه العبارة ظلّت مرشداً لي في كتاباتي، الكتاب الذي أحب قراءته هو الكتاب الذي يجب كتابته ولاشك في أنّ الآخرين سيحبّون قراءته.

وبيّنت شعبان ضريبة كتابة الصّدق بالقول: لم أكن أعلم أنّ الكتابة لها ضريبة وأحياناً مرتفعة الثمن، فحين قابلت نساء عربيات بعد نشر الكتاب كدت أخسر موقعي الجامعي لأنّ البعض قال لي لماذا كتبت بهذا الصراحة عن المرأة العربية وأنت تكتبين للأجانب؟ لماذا لم تصوري واقعها بأنه واقع ممتاز، وتحدثت عن السلبيات ولم تتحدثي عن الإيجابيات؟ وكنت أجيب لأني كنت أشعر دائماً حين أقرأ نصّاً لابدّ من أنه يقول الحقيقة، وحين أقرأ لكاتب أتعلم منه لأني أشعر بأنه يقول عين الحقيقة ولم يخطر لي أنه يمكن لكاتب أن يكون مزيفاً أو يروّج لأشياء يحبها ويشتهيها أو أن يطمس بعض المعالم التي لايرتئيها، وأن هذا ممكن في الكتابة، كنت أعتقد أنّ الكاتب حين يضع القلم على الورقة كأنه يقف بين يدي الله ليقول الحق ولاشيء إلّا الحق، وكان هذا أساس معركتي بعد ذلك في الكتابة في أي مجال أردت أن أكتب فيه، فما بالكم لو كان المجال عن الرّئيس الرّاحل حافظ الأسد- رحمه الله- وعن تاريخ سورية في تلك الحقبة من التاريخ، لذلك ترددت كثيراً قبل البدء بكتابي الأوّل عن الرئيس حافظ الأسد وهو «عشرة أعوام مع الرئيس حافظ الأسد» ومع إنّه توفي عام 2000 فإنّ الكتاب لم يصدر إلّا عام 2012 باللغة الإنكليزية، وباللغة العربية في عام 2014، لقد استغرقت وقتاً طويلاً لأحزم شجاعتي وأكتب هذا الكتاب، طبعاً لم يكن هذا ممكناً لولا دعم وتفهم ومساندة السيد الرئيس بشار الأسد.
وتحدثت الدكتورة شعبان عن الفخر الذي شعرت به أثناء قراءتها الجلسات التي كانت تعقد، فخر عظيم نقلته للحضور الذي أتى من كل المحافظات السورية، تقول: حين قررت الكتابة عن الرّئيس الرّاحل لم أكن أتوقع أنّ ماتخفيه محاضر الجلسات تحمل كلّ هذه الكنوز من المصداقية والجرأة والمحبة والكرامة والحقيقة، لقد فوجئت كم كان سابقاً عصره وكم كان يفكّر لعقود قادمة وكم كان ثابت الخطا مهما كلّفه ذلك من ثمن ومهما بلغت المخاطر التي يتوقعها نتيجة المواقف التي اتّخذها في هذه المراحل.. كتاب «عشرة أعوام مع الرئيس حافظ الأسد» كتبته كسيرة ذاتية وقلت فيه إني بقيت أفكر وأتذكر إلى أن أتاني الرئيس في «المنام» وكانت هذه هي المرة الوحيدة التي أراه في «المنام» وسألني لماذا لم تكتبي، فقلت لا أعرف!! فقال: أريد منك أربعة فصول: سورية والغرب، حافظ الأسد والغرب، وحافظ الأسد والرئيس كلينتون، وحافظ الأسد وعملية السلام.
ولم تكن شعبان ببعيدة عن صدى الفيلم الوثائقي «الرجل الذي لم يوقّع» الذي أنتجته قناة الميادين في اثني عشر جزءاً ويتناول أربعين عاماً من تاريخ سورية والمنطقة، توضّح: سمعت البعض يقول إننا لخصنا تاريخ الرئيس الراحل حافظ الأسد بوثائقي وهذا قول غير العارفين لأننا أخذنا موضوعاً واحداً وهو عملية السلام والرئيس الأسد، لكن هذين الكتابين شكّلا الأساس للوثائقي «الرجل الذي لم يوقّع»، واعتمدت الصدق وقول الحقيقة وكان معي باحثان مساعدان هما فادي إسبر وقاسم شاغوري، وكنت أعلم وأنا أكتب أننا قد نواجه مشكلات جمّة لأننا نقول الصدق والحقيقة، لكن الجائزة الكبرى التي استلمتها في حياتي من دون أن أستلمها هي أني حين شاهدت الوثاقي وكل الشهود من أصدقاء وخصوم وأعداء يتحدثون عن ذات المرحلة والأحداث التي تناولناها في الوثائقي وفي الكتابين ووجدت أنّ أحداً لم يستطع نقض أي حدث أو جزء وهذه هي جائزة الصدق مع الحقيقة والموقف والصدق.
ونوهّت الدكتورة شعبان بأهمية إعادة كتابة تاريخنا، تقول: نحن بحاجة ماسة لأن نعيد كتابة تاريخنا لأنه مملوء بالعموميات وتنقصه الدقة وفي أحيان كثيرة ينقصه الصدق لاعتبارات ظرفية أو إقليمية أو ماشابه، يجب أن نكتب تاريخنا بصدق ونوثّق كل مرحلة منه ولاشك في أنّ الصدق يدخل إلى عقول وقلوب الجميع مهما كان موقفهم معادياً أو مغايراً لموقفنا، عندما كان يتحدث الرئيس عن جلساته كنت أقول له يجب أن نكتب كل ذلك، وكان يقول لي سيأتي يوم ويطّلع الناس على كل شيء، لقد كان يجلس في حضرة التاريخ وكان يشعر بـأن كل موقف يأخذه سيكون للنّاس يوماً وستتحدث فيه الناس يوماً، اليوم أقول شيئاً مماثلاً لسيدي الرئيس بشار الأسد لأني عندما أرى مواقفه الصلبة وتمسكه بكرامة وعزّة سورية أقول إنّ شعبنا لايعرف إلّا قليلاً عن الرئيس بشار الأسد لأنّ عزته وصلابته فوق مايتصورون، وحين أسمع مروجي الطابور الخامس أقول هم لايعرفون أن كل الحرب على سورية هي لمصادرة قرارها المستقل وأنّ كل موقف للسيد الرئيس من ألفه إلى يائه هو التمسك بالقرار المستقل.
وتؤكد الدكتورة شعبان أهمية هذا التوثيق بالقول: هذا الوثائقي كان منبهاً لأن نعيد كتابة تاريخنا ونوثقه، والمشكلة أننا نحارب على الأرض ونربح المعارك العسكرية وندحر الإرهاب لكن لانولي أهمية لتوثيق مانقوم به ونوصله إلى كل شعوب الأرض، في الجامعات الغربية ستجدون أنّ المراجع باللغات الأخرى حتى عن قضايانا وأرضنا وجولاننا وفلسطيننا وأنهم يغرقون المكتبات بإنتاجهم ومعظم مايكتبونه عنّا ملفق وكاذب، تاريخنا هو هويتنا وهو الذي نورّثه لأجيالنا المستقبلية وهو الذي نفخر به ونبني عليه انتصاراتنا بالمستقبل.
بدوره، قال غسان بن جدو- رئيس مجلس إدارة شبكة الميادين الإعلامية، نتشرف بإعلان هذا الكتاب لأنه وثيقة توثيقية لوثائقي، سألت الدكتورة إن كان بالإمكان توثيق الكتاب بفيلم وثائقي، وتحدثت إلى دمشق ورجوت أن يسمحوا لنا بتوثيق الكتاب وكان هناك رأي إيجابي في ذلك والحقيقة إنّ دمشق هي التي طلبت من الدكتورة بثينة شعبان أن تكون راوية هذه الحقبة والتجربة ليس فقط لأنّها ألّفت الكتاب بل لأنّها واكبت جزءاً من المرحلة، وكانت هناك رغبة في أن تشاركنا الرواية شخصية سورية واكبت الحقبة بشكل مباشر لكن لم تسمح الظروف حينها.
ويضيف بن جدو: عندما قرأت الكتاب أدركت أننا نتحدث عن تجربة راقية ورائدة ودولة مؤسسات بكلّ معانيها والعقيدة الوطنية لم تكن عقيدة وظائفية أو نفعية أو مصلحة أو.. بل كانت عقيدة راسخة متجذرة، هذا الوثائقي لم يعرف به أحد في قناة الميادين باستثناء أربعة أشخاص كانوا معنا منذ البداية وهم أنفسهم الذين عملوا في الفيلم، وهم: المخرجة هالة بوصعب، والمعدّ زاهر العريضي، ومهاب بن جدو، والإعلامية سعاد العشي، وتشرفت بأن أكون معهم وفي خدمتهم منذ البداية، وكان لدينا مكتب خاص وعمل خاص بنا، العمل كان بشكل أساس مع الدكتورة وفي الوقت نفسه حرصنا على أن يكون هناك شهود ليوثقوا هذه الأحداث، لم يكن العمل سهلاً وخاصة الحديث عن سورية مع شخص الرئيس حافظ الأسد وعن تلك الحقبة في هذا الزمن العربي الرسمي الغادر والجبان، لذلك لم نجد دعماً في العالم العربي، والحمدلله أنّ البعض لم يشارك في هذا العمل الكبير لأنّ هذا الزمن لم يعد يتحمل غدراً وجبناً، الشعب العربي لم يعد يليق به سوى المقدام والشجاع، والحمدلله أنجزنا العمل في عام واحد، هذه الحقبة مادة ثرية جداً لكنها كبيرة جداً في تاريخنا العربي، عندما حاورنا الدكتورة حاورناها على كتابها لكننا أردنا توسيع العمل، نحن لا نتحدث عن سورية فقط بل نتحدث عن اتجاه أساس هو الصراع العربي – الإسرائيليي من البوابة السورية، لماذا «الرجل الذي لم يوقّع» بشكل أساس؟ بكل صراحة لأننا نعدّ الرئيس الأسد الذي كان مقاوماً بامتياز وحريصاً على تحرير أرضه، هو رجل سلام بامتياز وكان عنيداً في الحق، كان بإمكان سورية فعل ذلك لكنها فاوضت بعناد ولم توقّع لأجل أمتار، وختمنا الوثائقي بخطاب قسم للرئيس بشار الأسد وكنا حريصين على إبراز هذا المقتطف: (إذا كان «الإسرائيليون» يفاضون على أمتار فلماذا لايعطوننا إياها)؟.
يتابع بن جدو: حرصنا في هذه اللحظة بالتحديد على إبراز سورية التي تستحق أن تفخر بعزتها وبسالتها في هذا الزمن الذي غُدرت فيه، نحن منذ انطلاقتنا كنا نمثل أقلية الأقليات في العالم العربي ليس على المستوى الإعلامي بل على مستوى الخيار والمشروع، الرأي العام العربي في معظمه كان منحازاً إلى طرق أخرى، والنخب العربية كانت منحازة إلى طرق أخرى وخذلتنا وجبنت ولم تكن مع من رفع شعار الحق، فمن يرفع شعار الحق يجب أن يكون شجاعاً حتى لو هزم، نهزم وهاماتنا شامخة.. يمكن للبعض أن ينتصر لكنه سيكون في الدرك الأسفل من البؤس، والتاريخ لن ينساه، نحن لم يكن هدفنا من الفيلم الجمهور السوري فقط بل العربي والعالمي، نحن لم نساند سورية لمصلحة أبداً وأقول كعربي: والله لو سقطت دمشق لانهار العالم العربي كله، سورية لاتمثل نفسها فقط، ساندنا سورية لأنها قلعة حقيقية، كل العواصم العربية التي سقطت هي عواصم الحضارة والتاريخ، وهناك دول عربية لاتملك حضارة ولا عراقة لذلك حرصت على تدمير كل حضارة عريقة وعلى رأسها دمشق.
وختم غسان بن جدو حديثه بالقول: قلنا في نهاية الفيلم الرجل الذي لم يوقّع هو ليس شخصاً فقط بل هو في الجوهر خيار، الرئيس الأسد قاد المفاوضات ضمن كوكبة من الدبلوماسيين المحترفين والخبراء الشامخين والقادة العسكريين الذين كانوا يتحدثون بعزّة.. الرئيس حافظ الأسد هو ابن بيئته التي تصنع مثل هؤلاء الرجال، فيها عراقة وتاريخ وهي بيئة العزة والكرامة، ولكن في الوقت نفسه لو كان الأمر مرتبطاً فقط بشخصه لكان تغير بعد سنوات قليلة من رحيله وكان يمكن التوقيع بشروط رفضها، لكن الرجل الذي لم يوقّع هو خيار لأن الرئيس بشار الأسد قال ذلك بعد أيام قليلة.. هذه ذهنية ونهج.

نجوى صليبه

تشرين

شاهد أيضاً

“ماغي بو غصن” تشارك في ندوة “تأثير الدراما على حياة المرأة”

شام تايمز- متابعة شاركت الممثلة اللبنانية “ماغي بو غصن” في ندوة  حوارية خاصة  عقدت،أمس الثلاثاء، …